السلام.عليكم ورحمة الله وبركاته..هذي أمثله مهمة.للأغراض البلاغية للإستفهام ... دعواتكم لي بالتوفيق
:
هو طلب العلم بشيء لم يكن معلوما وهذا هو المعنى الأصلي للاستفهام وذلك باستعمال ألفاظ معينة تدعى " أدوات الاستفهام " وقد تخرج هذه الأدوات عن أصل وضعها ، فيستفهم بها عن الشيء مع العلم به ، لأغراض تستفاد من سياق الحدوث ودلالة الكلام .
و أدوات الاستفهام كلها أسماء ما عدا اثنين: الهمزة وهل فهما حرفان .
الهمزة قد تكون للتصور وقد تكون للتصديق ،أما هل فالتصديق فقط وباقي الأدوات للتصور .
والتصديق: هو طلب السؤال عن شيء حدث وقوعه أم لا؛ وتكون الإجابة عليه بكلمة (نعم) للإثبات، و(لا) للنفي؛ كقولنا: (أنجح زيد؟) وقوله تعالى: أَأَنتَ فَعَلْتَ هذا بآلهتنا يا إبراهيم (الأنبياء 21/62). فالتصديق إدراك نسبة الفعل بدقة، لأن المتكلم مُتَردّد بين إثبات الشيء ونفيه. ولهذا يطلب تحديد الإجابة وتعيينها، ومن ثم يمتنع ذِكْر المعادل بـ(أم)؛ فإذا استعملت الهمزة للتصديق؛ وجاء معها (أم) فهي أم المنقطعة وتكون بمعنى (بل) وكذا استعملت مع (هل). فالمتصلة لا يستغني ما قبلها عما يليها؛ عكس المنقطعة، فإذا قلنا: أنجح زيد أم عمر؟ فالسؤال عن عمرو، لأننا لأمرٍ ما كالنسيان وقع لفظ (زيد) على لساننا وهو غير مقصود... وهذا يعني أن (أَم) بمعنى (بل).
والتصور: هو إدراك المفرد؛ والاستفسار عن كيفية حدوث فعل ما؛ ويتلو همزة التصور المسؤول عنه؛ وتقترن بـ (أم) المعادلة ـ غالباً وتسمى هنا (المتصلة).
وتكون الإجابة على ذلك بتحديد الفعل، ومن قام به على وجه الدقة، على اعتبار أن المتكلم عارف بأن الحدث قد وقع لكنه لا يعرف كيفيته بدقة؛ كقولنا: (أزيد قائم أم عمرو؟) وقال الزركلي:
حُلُمٌ على جَنباتِ الشام أم عِيْدُ
لا الهَمُّ همٌّ ولا التسهيد تَسْهيد؟!
لهذا كله يُسأل عن المسند إليه سواء كان مبتدأً أم فاعلاً؛ كقولنا: (أسافر زيد أم خالد؟) أو قولنا: (أزيد نجح أم محمد؟)...
ويُسْأَل بها عن المسند كقولنا: (أذاهبٌ أنت غداً إلى دمشق أم ذاهب إلى حلب؟)....
ويسأل بها عن الفَضلة؛ كالمفعُول به مثل: (أزيداً زرتَ أم خالداً؟) والحال مثل: أراكباً جئتَ أم ماشياً، والظرف مثل: (أغَداً تذهبُ أم بعده؟). ومن المفعول به قوله تعالى: قل أالذكرين حَرَّم أَم الأُنثيين أَمْ ما اشتملت عليه أَرحام الأنثيين (الأنعام 6/144)....
إذن أدوات الاستفهام :
حروف : الهمزة ، هل .
أسماء مبنية : ما ، من ، متى ، كيف ، أيان ، أين ، أنَّى .
أسماء معربة : أي .
أهم الأغراض البلاغية للاستفهام وبيانها :
◈ 1 ـ التقرير:
التقرير هو الإثبات مع الوضوح؛ وكذلك هو الإثبات مع التسليم... وهو لا يحتاج إلى جواب في الاستفهام المجازي؛ لأنه يقرر فكرة من الأفكار؛ يحمل المخاطب على الإقرار بها؛ وبمعنى آخر السؤال نفسه جواب ثابت. ويستعمل في هذا الأسلوب الفعل المنفي المسبوق ـ غالباً ـ بهمزة الاستفهام؛ وإن جاز استعمال الأدوات الأخرى ـ كقوله تعالى: أَلَمْ يجدك يتيماً فأوى (الضحى 93/6) والمعنى (وجدك) وقوله: أَلَمْ يَجْعَل كَيْدَهم في تضليل (الفيل 105/3) أي (جعل كيدهم...) وقوله: ألم نشرح لك صدرك (الانشراح 93/1) وقال البحتري:
أَلسْتَ أَعَمَّهمْ جوداً وأَزكا
إذا ما لم يكُنْ للحَمْدِ جابِ؟
فالهمزة إذا دخلت على نفي؛ فإنه لا يراد معنى النفي بل يراد تقرير ما بعده. وهذا يختلف كثيراً عن الأسلوب الآتي في الإخبار والتحقيق كما أنه يختلف كثيراً عن الاستفهام الحقيقي الذي يحتاج إلى جواب.وكذلك إذا قلت مخاطبا أحدًا : " أَلَسْتَ أكثرَهُمْ جُودًا ، وأحْسَنَهُمْ خُلُقًا " .
وقول جرير :
أَلَسْتُـــــــــــمْ خَيْرَ مَنْ ركِـــبَ المَـــطَايَـــــا وأَنْــــــــــدَى العَالمــــِيـــــــــــن بُطُــــــــــــــونَ رَاحِ ؟
فالمقام مقام مدح ، وذلك أبلغ فيه .والغرض البياني من الاستفهام التقريري إلزام المخاطب بالحجة ، وانتزاع الاعتراف منه بما يريده المتكلم ، وفي ذلك غرض نفسي ، وذلك لأن البيان والبلاغة لهما صلة وثيقة في قضايا النفس ، وبعلم النفس كذلك .
◈ 2 ـ الإخبار والتحقيق:
الإخبار هو الإعلام بالشيء، ويستعمل لإثبات أمر ما؛ لذا ارتبط بالتحقيق في أسلوب الاستفهام لأنه يتجه إلى إطلاع السامع أو تثبيت خبر لديه، أو أنه يرمي إلى كليهما معاً كقوله تعالى: ألا إنهم هُم المفسدون ولكن لا يشعرون (البقرة 2/12) وقوله: ألم نُرَبِّكَ فينا وليداً (الشعراء 26/18) والمعنى (إننا قد ربيناك فينا وليداً)؛ على حين دَلَّت في الشاهد الأول على التحقق لما بعدها والتنبيه عليه (ألا إنهم...) ويستعمل فيه ـ غالباً ـ (همزة الاستفهام) ـ كما ورد في الأمثلة السابقة ـ وكذلك يستعمل فيه (هل) كما في قوله تعالى: هل أتى على الإنسان حِيْن من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً (الإنسان 76/1)؛ والمعنى (قد أتى على الإنسان)( وقد تستعمل الهمزة مع لفظ (حقّ ـ حقاً) أو تستعمل مع النفي الذي يراد منه الإخبار والتحقيق؛ فهذا عَبْدُ يغوثَ يستعملها مع (حقاً) في قوله:
أَحقّاً عبادَ اللهِ أَنْ لستُ سامعاً
نَشيدَ الرِّعَاءِ المُعْزبين المَتَاليا
ومن استعمالها مع النفي قوله تعالى: أَليسَ ذلك بقادرٍ على أن يُحييَ الموتى (سورة القيامة 75/40).
ولما كانت لها هذه الرتبة من التحقيق مع النفي ندر أن تقع جملة بعدها إلا صُدِّرَتْ بما يتلقى به القسم على نحو ما؛ كقول حاتم الطائي:
أَمَا والذي لا يعلمُ الغيبَ غيرُهُ
ويُحيي العظامَ البِيضَ وهيَ رَميمُ؟
ومثله قول صخر الهذلي:
أَمَا والذي أَبكى وأَضْحَكَ والذي
أَماتَ وأَحيا والذي أَمْرُهُ الأَمْرُ؟
فالمعنى الذي يرمي إليه المتكلم في الاستعمال المجازي لأسلوب الاستفهام يتجه إلى المعنى وفق ما يتطلبه السياق، لا وفق ما تبنى عليه الكلمات في التركيب النحوي
◈ 3 ـ التسوية:
اختص أسلوب التسوية باستعمال (الهمزة) مع (أم) المعادلة؛ لأن الهمزة تستعمل للتسوية في الدلالة بين ما قبل (أم) وما بعدها، والجملة بعد الهمزة يصح حلول المصدر محلها... وتوهم غير باحث أنها تستعمل فقط مع (سواء) كما في قوله تعالى: سواء عليهم أَأَنْذَرْتَهم أم لم تُنذرهم لا يُؤمنون (البقرة 2/6). ودليل رأينا أنها تستعمل مع (ما أدري) ونحوه، قول الفرزدق:
و واللهِ ما أدري، أجُبْنٌ بجَنْدَلٍ
عن العَوْدِ أم أعيت عليه مضاربُهْ؟
ونستدل على ذلك أيضاً بقوله تعالى: وإن أَدْري أَقريبٌ أَمْ بعيدٌ ما توعدون (الأنبياء 21/109). وتستعمل كذلك مع تركيب (ما أبالي) ونحوه؛ كقول المتنبي:
ولسْتُ أُبالي بعْدَ إدراكيَ العُلَى
أَكان تُراثاً ما تناولتُ أَمْ كَسْبَا؟
ومع (ليت شعري، وليت علمي) ونحوهما، على اعتبار أن الصياغة تتصل بصور من التوازن والتنسيق بنسبة جمالية تؤكد الوعي الجمالي بالشكل والمضمون؛ ومنه قول الفرزدق:
أَلا ليتَ شعري ما أرادت مُجَاشِعٌ
إلى الغَيْطِ أَمْ ماذا يقول أَميرُها؟
وقد يُمْزَج أسلوب التسوية بالتهكم والهجاء كما في قول حسان بن ثابت:
وما أُبالي أَنَبَّ بالحَزْنِ تَيْسٌ
أمْ لحَاني بظهرِ غَيْبٍ لئيمُ
◈ 4 ـ العَرْضُ والحضّ:
هذان أسلوبان متماثلان؛ وإن زاد أحدهما على الآخر في المعنى؛ فالعَرْضُ: طلب الشيء بِلين، والحَضُّ: طلبه بقوة مرة بعد مرة؛ ويستعمل فيهما الهمزة مع (لا) فتصبحان (أَلاَ) وهما كالاسم الواحد؛ والطلب لا يراد منه الإجابة (بنَعم) أو (لا) وتختص بالفعل، ومن العرض قوله تعالى: ألا تحبون أن يغفر الله لكم (النور 24/22)؛ أما قول الشاعر عمرو بن قَعَّاس المرادي فعلى تقدير فعل محذوف:
أَلا رَجلاً جزاهُ اللهُ خَيراً
يَدُلُّ على مُحَصِّلَةٍ تُبيتُ؟
أي "أَلاَ تُرُونني رجلاً هذه صفته، فحذف الفعل مدلولاً عليه بالمعنى"، وقيل قول آخر.
ومن الحض قوله تعالى: أَلا تقاتلون قوماً نَكَثُوا أَيمانَهم (التوبة 9/13). فهو يحثهم على القتال؛ أي (قاتلوهم)؛ وكذلك قوله تعالى: أَنِ ائتِ القومَ الظالمين* قومَ فرعون؛ أَلاَ يتقون (الشعراء 26/10 ـ 11)؛ أي (ائتهم وأمرهم بالتقوى).
◈ 5 ـ التشويق:
التشويق من جنس الشَّوْق؛ وهو حمل النفس على النزاع إلى الشيء؛ وتهييجها إليه. ولهذا قد يأتي الاستفهام لجذب النفوس وشدها إلى أمر حدث من قبل؛ أو أمر يكون فيه خير، فيستعمل لتصور ذلك كله؛ كما في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا: هل أَدُلَّكُم على تجارةٍ تُنْجيكم من عَذابٍ أَليم (الصف 61/10). فالمؤمنون يتشوقون إلى معرفة: ما التجارة التي تنجيهم بالسؤال (هل أدلكم)؟ ثم جاءت الآية التالية لتفسير تلك التجارة وإراحة النفس من عواطفها الفياضة وفضاءاتها الفكرية بقوله تعالى: تؤمنُوْنَ بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأَنفسكم، ذلكم خَيْر لكم إنْ كنتم تعلمون (الصف 61/11).
فالسياق في النص وحده من يكشف عن الجمالية الفنية للاستفهام المجازي، وكذلك نجده في قوله تعالى: قال: يا آدمُ؛ هَلْ أَدُلك على شجرة الخُلدِ ومُلْك لا يَبْلى (طه 20/120). فالشيطان وسوس لابن آدم وشوقه إلى شجرة الخلد بالسؤال (هل أدلك...). وهذا التشويق جعله يزلّ؛ ويتبع غواية الشيطان؛ فكان أن عصى ربه فأهبطه إلى الأرض.
◈ 6 ـ الأمر :
يخرج الاستفهام إلى أسلوب مجازي يسمى الأمر؛ فيزيده إيحاءً جمالياً، لأن المقصود ليس الاستفهام الحقيقي كما في قوله تعالى: فهل أنتم منتهون (المائدة 5/91) أي (انتهوا)، وقوله: فهل أنتم مسلمون (هود 11/14) أي (أسلموا)... وهذا نحو قوله تعالى في آل عمران (3/20): أَأَسلمتم؟ أي (أَسلموا)؛ وكقوله تعالى: وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله (النساء 4/75) أي (قاتلوا في سبيل الله) ، فالعبرة من هذا الاستخدام إنما هو في التركيب الذي يجسد أمراً غير حاصل وقت الطلب بأسلوب الاستفهام. ولهذا يصبح التركيب كالكلمة الواحدة؛ ما يكسبه جمالاً فريداً؛ وبلاغة موحية.
◈ 7 ـ النفي:
كثر خروج الاستفهام إلى النفي في كلام العرب وأشعارها، وفي القرآن... ولعل هذا الأسلوب يثير المتلقي على جمالية من نوع بلاغي جديد وبديع كقوله تعالى: مَنْ يغفر الذنوب إلا الله (آل عمران 3/135) أي (لا يغفرها إلا الله)... وكقوله: من ذا الَّذي يَشْفعُ عنده إِلا بإذنه (البقرة 2/255) أي (لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه). وكقوله: هل جزاءُ الإِحسان إِلا الإحسان (الرحمن 55/60) أي (ما جزاء الإحسان إلا الإحسان) وقال أبو تمام:
هلِ اجتمعتْ أَحياءُ عدنانَ كُلُّها
بمُلْتَحمٍ إلا وأنت أَميرُهَا؟
فلم تجتمع بطون عدنان في مكان لقتال إلا كنت أميرها. ومثله قول الشاعر:
هلِ الدَّهْرُ إلا سَاعةٌ ثم تَنْقضي
بما كان فيها من بَلاءٍ ومن خَفْضِ؟
أراد: ما الدهر... ودليل النفي في الشاهدين انتقاضه بإلا؛ ومثله قول البحتري:
هلِ الدهر إلا غَمْرةٌ وانجلاؤها
وَشِيكاً وإلا ضَيْقةٌ وانفراجُها؟
وقال الآخر :
وكيفَ أخافُ الفِقْرَ أو أحْرَمُ الغنى ورأيُ أمـــــــــــــــيرِ المؤمنـــــــــــين جمـــــــــــــــــــــيلُ ؟
قال المتنبي :
ومَنْ لَــــــــــــــــم يَعْشَـــــــقِ الدُّنيا قَدِيمـــــــــا ؟ ولكِــــــــــــــنْ لا سَبِـــــــــــــــــيلَ إلى الوِصَـــــــــــــــــــالِ
وقال أيضا :
وهــــــــــلْ تُغْني الرَّسَائِـــــــــــــلُ فـــــــــي عَدُوٍّ إذا مــــــــــا لمْ يَكُـــــــــــــــنَّ ظُــــــــــــبًا رِقَاقًـــــــا ؟
◈ 8 ـ التمني:
هذا أسلوب آخر في أساليب الاستفهام كثر في كلام العرب وفي القرآن الكريم كقوله تعالى: فهَل لنا من شُفَعاءَ فيشفعوا لنا (الأعراف 7/53) فالذين خسروا أنفسهم يتمنون أن يُرَدُّوا إلى الدنيا ليعلموا غير الذي عملوه، ولكن هيهات لهم الرجوع. فما استعمل أسلوب التمني الحقيقي بل استعمل الاستفهام؛ فجاء الأسلوب أعلى إيحاء.... وعليه أيضاً قول أبي العتاهية في مدح الأمين:
تذكًّرْ أمينَ اللهِ حقّي وحُرْمَتي
وما كنتَ تُوليني لعَلَّك تذكرُ
فمَن ليَ بالعَيْنِ التي كنتَ مَرَّةً
إليَّ بها في سَالفِ الدَّهرِ تُنْظرُ؟
فالاستفهام خرج إلى التمني لإنزال الممكن منزلة المستحيل؛ لإعلاء مكانة الممدوح لأن غيره لا يستطيع فعله الذي أنفذه مع الشاعر .فالشاعر إذا يتمنى أن تعود له تلك المكانة التي كان يحظى بها عند الأمين .
، وكذلك يتمنى الشعراء أن تنطق الأطلال وترد على أسئلتهم؛ إذ ليس لها عهد بالتكلم كقول أحدهم:
هل بالطُّلولِ لسَائلٍ ردُّ؟
أم هَلْ لها بتكلم عَهْدُ؟
ويتمنى المتنبي لو أن الربع يدري ما فعل من إراقة دمه وما هيَّجهُ في قلبهِ من الشوقِ فيقول :
أَيـــــــدْرِي الَّرَّبْــــــــــــعُ أيُّ دمٍ أرَاقَـــــا ؟ و أيُّ قلـــــــــــــوبِ هــــــذا الرّكْــــــــــــــــبِ شَــــــاقَا ؟
◈ 9 ـ النهي:
يخرج أسلوب الاستفهام إلى النهي عن فعل شيء ما كقوله تعالى: أَتَخْشَونهم؟ فالله أَحَقُّ أَنْ تخشَوه إن كنتم مؤمنين (التوبة 9/13) وأراد (لا تخشوهم)؛ بدليل قوله تعالى: فلا تَخْشَوا الناس واخْشَوْنِ (المائدة 5/44). ومن أسلوب الاستفهام للنهي قوله تعالى: يا أيها الإنسانُ: ما غَرَّك برَبِّك الكريم؟ (الانفطار 82/6). أراد (لا تغتر بالله ورحمته واعمل لأخرتك)... وهذا يوضحه سياق سورة الانفطار ولا سيما الآية الأخيرة التاسعة عشرة يومَ لا تملك نفسٌ لنفس شيئاً.
وقال الشاعر :
أَتَحْـــــــــــسَبُ أَنَّكَ جِـــــــــــــــــرْمٌ صغيــــــــــــــر وَفِيكَ انْطَــــــــــــوَى العَالَـــــــــــــــــــــمُ الأَكْبَــــــــــــــــــرُ
◈ 12 ـ التعظيم والتفخيم:
اللفظان كلاهما بمعنى واحد؛ وهو الإجلال والإكبار والتقدير. ويستعمل الاستفهام المجازي في هذا السياق الدلالي على نحو كبير..... فهذا المقصد البلاغي من الأساليب الجمالية المثيرة في الدراسات البلاغية وفي أغراض القول... فالتعظيم والتبجيل والتفخيم يرمي إليها المتكلم بأسلوب لفظي مباشر، وبأسلوب الاستفهام الحقيقي، ولكنه في الاستفهام المجازي يحمل طبيعة جمالية خاصة؛ كقول العَرْجِي مفتخراً بنفسه:
أَضَاعوني وأَيَّ فتىً أضَاعوا
ليومِ كريهةٍ وسَدادِ ثَغْرِ؟
فالشاعر رفع من شأنه وأوضح أن العشيرة خسرت به رجلاً عظيماً في الشدائد. وجمع المتنبي في مديح كافور الإخشيدي بين تعظيمه وبين استنكاره لارتياب الأعداء فيما خصّه الله على يديه من النصر والحظ السعيد:
أتلتمسُ الأعداءُ بعد الذي رَأَتْ
قيامَ دليلٍ أو وضوحَ بيانِ؟
وفي التعظيم والإجلال الذي ورد في الرثاء يقول المتنبي مظهراً ما كان للمرثي في حياته من صفات السيادة والشجاعة والكرم؛ ما جعل الشاعر يتحسر عليه ويتفجع لفقده:
مَنْ للمحافلِ والجحافلِ والسُّرَى
فقدَتْ بفَقْدكَ نَيّراً لا يطلعُ
ومن اتخذْتَ على الضُّيوفِ خَليفةً
ضاعوا ومِثلُكَ لا يكاد يُضَيِّعُ؟
فالأسلوب ـ هنا ـ أضفى على اللغة قدرة على التأثير فيما عبَّر عنه من المشاعر والأحاسيس. وكذلك خرج أسلوب الاستفهام المجازي في القرآن إلى معنى التعظيم والتفخيم في قوله تعالى: يسألونك عن الساعة أيّان مُرْساها (النازعات 79/42) وفي قوله: وما أدراك ما يوم الدين* ثم ما أدراك ما يوم الدين (الانفطار 82/17 ـ 18). وتؤكد الآية التاسعة عشرة من (الانفطار) معنى الاستعظام يوم لا تملك نفسٌ لنفسٍ شيئاً؛ والأَمْرُ يومئذٍ لله. وكذلك نرى التفخيم في عدد غير قليل من آيات القرآن الكريم .
قال الآخر :
ومَــــــــــــنْ ذا الذي يُدْلِي بعُــــــذْرٍ وحـــجّةٍ و سيفُ المَنَايَا بَيْنَ عينــــــــــيهِ مُصْلَتُ ؟
وقال الشاعر :
مَــــنْ مِنْكُــــــــــــمُ الملكُ المُطاعُ كأنَّـــــهُ تحتَ السَّوابِــــــغِ تُبَّــــــــــعٌ فــــــي حَمْيَرِ ؟
◈ 13ـ التكثير للتعظيم أو التهويل:
ربما لجأ الشعراء والعرب إلى الاستفهام المجازي الذي يدل على التكثير للتعظيم أو التهويل في أي معنىً من المعاني، أو صورة من الصور فتتعدد الإيحاءات وتعظم كقول المتنبي:
يَفْنَى الكلامُ ولا يحيط بوصفكُمْ
أَيحيطُ ما يَفْنَى بما لا يَنْفَدُ؟
فالشاعر يستكثر من فضل ممدوحه ويعظّم شأن ذلك فهو لكثرته لا ينفد . وقد استكثر أبو العلاء المعري من مات من البشر حتى أصبحت أجسادهم جزءاً من التراب الذي ندوسه. فدل كل منهما على أن الشاعر يدرك واقعه جمالياً بمثل ما يدركه فكرياً؛ فيقول المعري:
صَاحِ هَذي قبورُنا تَمْلأُ الرَّحْـ
ـبَ فأَين القبورُ من عَهْد عادِ؟!
خَفِّفِ الوَطْءَ ما أَظنُّ أَديْمَ الأ
رض إلا من هذه الأَجساد
فالمعري حين استكثر قبور الموتى، جعل الأرض مقبرة؛ داعياً الإنسان إلى التواضع والعفو والمسامحة. ولذا فإن جمالية الفن لم تسقط في المباشرة والوعظ التقريري، وعليه أيضاً قول الشاعر:
كمْ مِنْ دَنِيٍّ لها قد صِرْتُ أَتبعُهُ؟
ولو صَحا القلبُ عنها كان لي تَبَعَا
فهذا الغرض ـ الذي جعلناه مستقلاً ـ يتصف بالمبالغة الفنية وصفاً ودلالة... ومن هنا تبرز جماليته؛ إذ لم يعد مجرد مبالغة في التهويل أو التعظيم لشخص ما؛ بل غدا هذا الأسلوب ذا وظيفة عددية تتمثل فيها عناصر التجربة الفنية بكل أبعادها البشرية والفكرية.
◈ 14 ـ التعجب:
هو استعظام أمرٍ ظاهر المزية خافي السبب؛ وإذا خرج من أسلوب النحو السماعي والقياسي إلى الاستفهام فإنما يراد به المبالغة في إظهار التعجب. كقول أبي تمام:
ما للخُطوبِ طغَتْ عليَّ كأنَّها
جَهلتْ بأنَّ نَداك بالمِرْصَادِ؟
فهو يعجب من تراكم الشدائد عليه في حين أن ممدوحه كان لها بالمرصاد، وكقول المتنبي في وصف الحمى التي تعجب لشأنها كيف استطاعت أن تحل في عظامه على كثرة الشدائد التي يعاني منها؛ فهو يستعظم فعلها ويتعجب منه فيقول:
أَبِنْتَ الدَّهْرِ عِندي كلُّ بنتٍ
فكيفَ وصَلْتِ أَنْتِ من الزِّحام؟
ومثل هذا نجده في قول امرأة من صدر الإسلام تتعجب لابنها الذي أراد أن يؤدبها وقد بلغت من العمر عتياً؛ فهي تستعظم فعله وتستنكره على سبيل التعجب منه فتقول:
أَنْشا يمزّقُ أَثوابي يُؤَدّبني
أَبْعَد شَيْبِي يبغي عندي الأَدَبا؟
وهذا الأسلوب كثير في القرآن الكريم كقوله تعالى: أَجعل الآلهة إلهاً* إن هذا لشيءٌ عُجَابٌ(ص 38/ 5). وقوله تعالى: أَوَ عجِبتم أنْ جاءَكم ذِكْرٌ من ربكم على رجل منكم... (الأعراف 7/ 63)، وقوله تعالى على لسان سليمان ـ عليه السلام ـ مالي لا أَرَى الهُدْهُدَ ـ (النمل 27 /20). وقولـه تعالى: ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ـ الفرقان 25/7)، فالكفَّار يعجبون من نزول القرآن على بشر يأكل مثلهم ويشرب، فلو نزل القرآن على ملك لآمنوا كما تشير تتمة الآية لولا أُنْزِل إليه مَلَكٌ فيكونَ معه نَذيراً. ومن التعجب قوله تعالى: كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم (البقرة 2/ 28) .
وقال الشاعر :
ما أنْـــــــــتِ يا دُنْيَـــــــــــا أَرُؤْيَا نائِــــــمٍ ؟ أم لَيْـــــــلُ عُرْسٍ أم بِسَـــاطُ سُــــــــــــلافِ ؟
وقال أبو الطيب :
ومَا لَكَ تُعْنَـــــــــــــى بالأَسِنَّـــةِ والقنَـــــــا ؟ وَجـــــــدُّكَ طَعَّــــــــــانٌ بغيرِ سِـــــــــــلاحِ
وقال في سيف الدولة يعوده في مرض :
وكيـــــــفَ تُعِلُّـــــــــــكَ الدُّنْـــــــيَا بِشَــــــــــيءٍ ؟ وأنــــــــتَ لِعِلَّـــــــــــــةِ الدُّنـــــــــــيا طَبِيـــــــــبُ
وقال الآخر :
ألإسرائيــــــــــلَ تَعْلُــــــــــــــــــــــو رَايَـــــــــــةٌ ؟ في حِمَـــــــى المَهْــــــدِ وظلِّ الحـــــــــــــرَم
وقال أبو الطيب المتنبي:
أَمُعفِّرَ اللَّيْثِ الهِزَبْرِ بسَوْطِهِ
لمَن ادَّخرْتَ الصَّارمَ المصقولا!!؟
◈ 15 ـ التفجّع والتحسّر:
قد يخرج الاستفهام إلى معنى التفجع أو التحسر والألم؛ وقد يدخل في التعجب والتكثير؛ حتى يغدو شبيهاً به، ويفترق عنه أنه يتركز في الحسرة أولاً؛ وثانياً هو أشد ارتباطاً بتصورات المتكلم وأحواله، كقول شمس الدين الكوفي:
ما للمنازلِ أَصبحَتْ لا أَهْلُها
أَهْلي ولا جِيرانُها جيراني؟
فهذا الأسلوب وما قبله وما بعده حتى النهاية يستند إلى تشكيل جمالي لا ينفصل عن الواقع الاجتماعي، في الوقت الذي يلبي الرغبة الذاتية ويرسم جملة من العادات والتقاليد وعليه قول ابن الزيات (ت233 هـ) في رثاء زوجته:
أَلاَ مَنْ رأى الطِّفلَ المفارقَ أُمَّهُ
بَعِيدَ الكَرَى عيناهُ تَنْسَكِبانِ؟
وهذا الأسلوب مبثوث في القرآن الكريم كقوله تعالى على لسان المجرمين: يا ويلتنا؛ مالهذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها ـ (الكهف 18/ 49). وقال المتنبي:
لأَيِّ صروفِ الدهرِ فيه نُعاتبُ
وأَيّ رزاياه بوِتْرٍ نُطالبُ؟
◈ 16 ـ الإنكار:
قد يكون المتلقي منكراً لأمرٍ من الأمور؛ وجاحداً لـه، فيقوم الخطاب بالانزياح التركيبي مرة أخرى فيأتي أسلوب الاستفهام الإنكاري لينكر على المخاطب إنكاره وليبطله أو يكذبه أو يوبخه، أو يقوم بتبكيته، ثم يقرر شيئاً ما. ويستعمل استعمال (يكون أو لا يكون أو لم يكن....). وجعله الجرجاني أحد أربعة مقاصد للاستفهام المجازي.
فمن استعمال الإنكار بما يكون قوله تعالى: أيحسَب الإنْسَان أَنْ لَنْ نَجمعَ عظامه (القيامة 75/ 3)، وقوله تعالى: أَيحسَب أن لم يَرَهُ أحد (البلد 90/7). ثم يخلصُ إلى التقرير في الآيات الثلاث التابعة أَلم نجعل لـه عينين، ولساناً وشفتين،وهديناه النجدين.
وكذلك يكون الإنكار للتقرير في قوله تعالى: أَليسَ الله بكافٍ عَبْدَهُ (الزمر 39/ 36)، وقوله: كيف تكفرون وأنتم تُتْلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله (آل عمران 3/ 101).
ويستعمل الاستفهام للإنكار والتكذيب (بما لم يكن) أي شيء لم يحدث في الماضي ، ويدخل فيه معنى التعجب؛ ليعلم منه قوة الإنكار وتعاظم صورته وحالته في النفس البشرية؛ كقولـه تعالى: أَإِلـهٌ مع الله؛ تعالى الله عما يشركون ـ (النمل 27/ 63). وقولـه تعالى: أَصطَفَى البناتِ على البنين* مالكم؛ كيفَ تحكمون* أَفلا تَذكَّرون* أم لكم سلطانٌ مُبينٌ، (الصافات 37/ 153 ـ 156).
ويلحظ المرء أن هذه الأسئلة كلها تكذب الكافرين بما زعموه عن الله من أن الملائكة لديه إناث اصطفاهم لذاته دون الذكور، كما يتضح من قوله تعالى مستنكراً عليهم قولهم في الآيات التالية: فاسْتَفْتِهم أَلربِّكَ البناتُ ولهم البنونُ* أَمْ خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون* أَلا إِنَّهم لكاذبون(الصافات 37 / 149 ـ 152). ويعد هذا كله من الإنكار الإبطالي في المفهوم البلاغي.
ونلاحظ الإنكار الذي يبلغ حد التوبيخ في الاستفهام السابق: ألا إنهم من إفكهمولهذا يصبح التوبيخ جزءاً أصيلاً في الاستفهام الإنكاري حتى سمي عند الدارسين بالإنكار التوبيخي؛ ويدخل في أسلوب (ما لا يكون) أي : "ما كان ينبغي أن يكون "أو " لا ينبغي أن يكون " كقوله تعالى: أَغَيْرَ الله تدعون إن كنتم صادقين (الأنعام 6/ 40)، وقوله: أَئِفْكاً آلهةً دُوْنَ الله تريدون (الصافات 37/ 86)؛ وعليه قول الشاعر:
أَلا ارعواءَ لمَنْ وَلَّتْ شبيبتُهُ
وآذنَتْ بمَشِيبٍ بعده هَرَمُ ؟
و امرئ القيس الذي يتهكم ويستنكر تهديد عدوه له؛ ويكذبه:
أَيَقْتُلُني والمشرَفيُّ مُضَاجِعي
ومَسْنونةٌ زُرْقٌ كأَنْيابِ أَغْوالِ؟!
أما المتنبي فإنه لا يليق به أن يكفر نعمة ممدوحه وقد غمره بالمجد والسؤدد، فهو يستنكر على نفسه أن تفعل ذلك؛ بل إن ذلك لا يكون منه في قوله:
أَأَكفرُكَ النَّعْماءَ عندي وقد نَمَتْ
عَليَّ نُموَّ الفجر والفَجْرُ ساطعُ؟!
وأَنت الذي أعززْتَني بعْدَ ذِلَّتي
فلا القولُ مَخْفوضٌ ولا الطَّرْفُ خاشعُ
وقال أبو تمام :
أَؤُلْبِسُ هُجْـــــــــرَ القولِ من لو هجوتهُ ؟ إذًا لهجانِـــــــــــي عَنْــــــــهُ معروفُهُ عنــــدِي
فأبو تمام ينكر على نفسه هذا الفعل ويقول: إنه لا يليق بي أن أهجرَ من غمرني بفضله وإحسانه .
◈ 17 ـ الوعيد والتهديد:
الوعيد أو التوعد، هو التهديد أو الإنذار بالشر؛ والوعيد ـ غالباً ـ يكون بالشر والويل والثبور؛ وفعله أَوْعَد. وهو أَحد المعاني التي يخرج إليها أسلوب الاستفهام، وقد يجتمعان توكيداً وتحقيقاً في اللفظ لخلق علاقات تركيبية جديدة ذات فاعلية كبرى في النفس والعقل؛ كما في قول النابغة الذبياني:
أَتُوعِدُ عَبْداً لم يَخُنْكَ أَمانةً
وتتركُ عَبْدَاً ظالماً وهو راتعُ؟!
فالفعل استعمل في التهديد والإنذار بالشر ثم أكدت همزة الاستفهام ذلك المقصد، فالنعمان يتهدد النابغة الذي لم يرتكب إثماً؛ بينما ترك من أَذنب فحاد عن الحق وجار على الشاعر.
وقد يأتي الاستفهام للتهديد من دون اجتماعه مع فعل (أوعد) وصيغه، كما في قوله تعالى: أَلَمْ نُهْلكِ الأَوّلين ـ (المرسلات 77/ 16).والدليل على الوعيد بالشر المستطير ما نعرضه من آيات قرآنية مثل: ثم نُتْبعهم الآخِرين* كذلك نفعل بالمجرمين* ويل يومئذٍ للمكذبين ـ (المرسلات 77 /17 ـ 19)، فطرائق بناء الأسلوب توحي بعناصر التهديد والوعيد. ونلمح هذا التهديد والإنذار في سورة الفيل(105/ 1 ـ 2): ألم تَرَ كيف فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَاب الفِيْل* أَلم يجعلْ كيدهم في تضليل؟. وقوله تعالى في سورة الماعون (107/1): أرأيت الذي يُكذِّب بالدين؟ .
◈ 18 ـ التهكم:
هو الاستهزاء؛ أو الزراية على الآخر بشيء ما والغضب عليه... والوقوع فيه بقول السوء؛ كما في قول زهير بن أبي سُلْمى:
وما أَدْرِي وسَوْفَ إِخالُ أَدْري
أَقومٌ آَلُ حِصْنٍ أَمْ نِساءُ؟
فزهير يستهجن من القوم، ويستخفّ بهم؛ فهو لا يتحقق من جنسهم؛ إن كانوا ذكوراً أم إناثاً... وهذا ما بينه قوله: (أقوم...). ومثله نجده في قول المتنبي الذي لم يعرف وجه الدُّمُسْتقَ من قفاه حين أتى لينازل سيف الدولة:
أَفِي كُلِّ يومٍ ذا الدُّمُسْتقُ قادمٌ
قَفاهُ على الإِقْدَام للوَجْهِ لائمُ؟
وعليه قوله تعالى: أَصَلاتُك تأمُركَ أن نترك ما يعبد آباؤنا؛ أو أن نَفْعَل في أموالنا ما نشاء (هود 11/ 87). ثم تبين سياق الآيات بعدها وضوح تهكم القوم من شُعيب ولاسيما قوله تعالى: ما أُريدُ أَنْ أُخالفكم إلى ما أَنْهَاكم عنْهُ، إِنْ أُريدُ إلاَّ الإصلاحَ ما استطعْتُ (هود 11/ 88).
هكذا تبينا أن كل أداة طريقتها الإيحائية في التهكم؛ ولها مذاقها الخاص كما في قوله تعالى: أَفَنَجْعلُ المسلمين كالمجرمين* مالكم؛ كيف تحكمون (القلم 68/ 35 ـ 36). فالهمزة و(ما) و(كيف) ثلاثتها تدل على التهكم والسخرية ولكنها تتباين في الإيحاء إبلاغاً وتأثيراً. وقال أبو فراس الحمداني:
كيف أَرْجو الصَّلاحَ من أَمْرِ قَوْمٍ
ضَيَّعوا الحَزْم فيه أَيَّ ضَياع؟!
◈ 19 ـ التحقير أو الازدراء:
هو تصغير شأن المخاطب والاستخفاف به، والحطّ من منزلته؛ كقولنا: أَهذا الذي أُعجبت به كثيراً ومدحته؟، وكقول عبدالله بن أبي عُيينة:
فدعِ الوعيدَ فما وَعيدُكَ ضَائري
أَطنيْنُ أَجْنَحَةِ الذُّبَابِ يَضيْرُ؟!
فإذا ظن أن طنين أجنحة الذباب يؤذي فإن وعيده يمكن أن يضره... وذلك ما لا يكون... فقد شبه الشاعر وعيد عدوه بصوت أجنحة الذباب.
ومن هذا الضرْب ما وقع في هجاء المتنبي لكافور وانتقاصه والحط من قَدْره:
مِنْ أَيَّةِ الطُّرْقِ يأتي نحوك الكرمُ؟
أين المحَاجمُ يا كافورُ والجَلَمُ؟
فهو ينعته بضَعة الأصل والحسب، وقد كان عبداً لحجَّام بمصر ثم اشتراه الإخشيد، ومن ثم صار حاكم مصر. ولذلك يتساءل: (أين أدوات الحجامة بكؤوسها ومشراطها؟).
ومن هذا النمط الاستفهامي قوله تعالى: وإذا رأَوكَ إنْ يتخذُونَك إلاَّ هُزُواً؛ أَهَذا الذي بعثَ الله رسولاً!؟ ـ (الفرقان 25/ 41). ولهذا يسخر منهم الله سبحانه وتعالى لأنهم جعلوا أهواءهم آلهة لهم فقال: أَرَأَيْتَ من اتّخذَ إِلهَهُ هواهُ، أَفأَنْتَ تكون عليه وكيلاً؟ (الفرقان 25/43). فالسؤال الأول: أرأيت..... تحقيرواستهزاء ؛ والسؤال الثاني: أفأَنت... لنفي وكالة الرسول عنهم، بدليل الآية التالية: أَم تَحْسَبُ أَنَّ أكثرهم يسمعونَ أو يَعقلونَ، إِنْ هُمْ إلاَّ كالأنعَام؛ بل هُمْ أَضلُّ سبيلاً ـ (الفرقان 25 /44).
وقال أبو العلاء المعري :
أّتَظُنُّ أنَّـــــــــــكَ للمعالِـــــــــــــــي كاسِـــــبٌ ؟ وخَبِــــــــــيُّ أمـــــــرِكَ شِــــــــــرَّةٌ و شَــــــــــــنَارُ
◈ 20 ـ الاستبعاد:
هذا نمط بلاغي للاستفهام المجازي يوضح فيه المتكلم أن حدوث أمرٍ ما يكاد يكون متخيلاً أو مستحيلاً؛ كقوله تعالى : أَإِذَا مِتْنَا وكُنَّا تُرَابَا ، ذَلِكَ رَجْعٌ بعِيدٌ و كقول أبي تمام:
مَنْ لي بإنسانٍ إذا أَغْضَبْتُهُ
وجَهَلْتُ كان الحِلْمُ ردَّ جَوابِهِ؟
فأبو تمام يستبعد وجود إنسان حليم لا يغضب إذا أهين وكذلك المتنبي يستبعد وجود من يحفظ الصنيع أو المعروف الذي أسدي إليه في قوله:
وما قَتَلَ الأَحْرارَ كالعَفْوِ عنهُمُ
ومَنْ لكَ بالحُرِّ الذي يَحْفَظُ اليَدا؟!
ومن الاستفهام الذي خرج إلى أسلوب الاستبعاد قوله تعالى: أنَّى لهم الذِّكْرى، وقد جاءهم رسولٌ مُبِينٌ*ثم تَوَلَّوا عنه، وقالوا:مُعَلَّم مجنُون، (الدخان 44/13 ـ 14). أي أن الله استبعدَ عنهم الهداية والذكرى بعد أن جاء الرسول الكريم وبين لهم طريق الحق لكنهم تولَّوا عنه.
وقد يجتمع الاستبعاد والتعجب في الاستفهام المجازي كما في قوله تعالى: قالت: يا وَيْلَتَى؛ أَأَلِدُ، وَأَنَا عجوزٌ، وهذا بَعْلِي شيخاً، إن هذا لشيءٌ عجيب، (هود 11/72). وهو استبعاد من حيث إنَّ الله أجرى الولادة في صغيرات السن من النساء وفي الشباب، لذلك استبعدت ولادتها وتعجبت لشأن ذلك الاستبعاد....
والاستبعاد والتعجب يجتمعان في قوله تعالى على لسان ذلك الإنسان المستهتر الذي فسدت حياته الدنيا؛ لأنه استبعد حدوث يوم القيامة، وظن أنه لن يبعث من جديد: يسأل أيَّان يَومُ القيامةـ (القيامة 75/ 6). وقد أوضح هذا المقصد من الاستفهام سياق الآيات المتقدمة أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه* بلى قادرين على أن نُسَوّيَ بنانه ـ (القيامة 75/ 3 ـ 4).
◈ 21 ـ الاستبطاء:
هذا الغرض ليس بمعنى استبعاد وقوع الفعل أو الحدث؛ وإنما بمعنى خروج الاستفهام إلى فعل محقق بالضرورة؛ ويؤمن المرء بحدوثه؛ ولكنه يستبطئ وقوعه إما بسبب الاستهتار والعبث وإمَّا بسبب استنكاره، وإما بسبب تأخيره،... وإما بسبب آخر لا يظهر. والاستهتار والعبث إنما يقوم على مفهوم الوعي به ومعرفة أبعاده كلها. فمن الاستبطاء بسبب الاستهتار والعبث قول الشاعر:
حتَّى متى أَنْتَ في لهْوٍ وفي لعبٍ
والموتُ نحوكَ يهوي فاتحاً فاهُ؟!
ومن الاستبطاء بسبب التأخر في حدوثه على الإيمان به ما جاء في قوله تعالى: حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه: متى نَصْرُ الله، (البقرة 2/214)... وهناك أنماط الاستبطاء بسبب التردد والعناد والكفر، وعليه قوله تعالى: ويقولون متى هذا الوعدُ؛ إن كنتم صادقين ـ (يونس 10/ 48)، وكذا قوله تعالى: يسألون أيانَ يومُ الدين (الذاريات 51 /12). فالمعنى على حكاية أُناس كفروا بالله فاستفسروا عن يوم القيامة بعد أن أبطأ عليهم.... وكان الاستبطاء مدعاة لهم في تكذيب المؤمنين.
وقد يكون الاستفهام لاستبطاء ظهور الصباح؛ فقد أبطأ الليل بنجومه بعد أن أنهك التعب المتنبي لسيره وسهره الطويل يقطع الفيافي فقال:
حَتَّامَ نحن نُسَاري النجْم في الظُّلمَ؟!
وما سُرَاه على خُفٍّ ولا قَدَمِ
*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) ..
المفضلات