لم أ تمكن من مقابلة "مصطفى محمود" في أثناء زيارتي للقاهرة, ولكن كنت أعرفه؛ أعرف بعض تفاصيل حياته وسيرته الذاتية عن بعد من خلال كتاباته ومقالاته التي قرأتها في"مكتبة المدرسة" منذ مراحل دراستي الأولى. هل للمكتبة المدرسية أي أهمية في التكوين المعرفي والفكري والثقافي للناشئة؟ لا شك, خاصة عندما يوجد هناك المربي الموجه.

لم تقتصر معرفتي على "مصطفى محمود " فحسب, بل عرفت أيضا "عباس محمودالعقاد", و "أنيس منصور", والرافعي, "والسحار", والغزالي,"وابن عربي", و "جون ديوي " وسارتر "ونيتشه", و"كانط"وأسماء أخرى, حتى "سيمون دي بوفوار", وغيرها, عرفتنها عن بعد, وليس عن قرب. هل البعد أحيانا أفضل من القرب؟ ربما؛ فالبعد يجعلك تقابل فكر الآخر في ظل صورة جميلة مثالية للآخر أيا كانت تلك الصورة في حقيقتها وواقعها, في جمالها أوبشاعتها, في نعومتها أو خشونتها, في جفائها أو ابتسامتها, والقرب قد يكشف خوفك أوضعفك, رغبتك أو لهفتك, وضوحك أو غموضك, وحتى ذلك البعد قد يفتح آفاقا للخيال والفكرللكثير من القضايا المختلفة.
في المكتبة وجدت "فلسفة الوطن العربي",ولم أجد فلسفتنا التربوية هناك, ولم أجدها في" مركز مصادر التعلم", ولا أدري لماذا هي محجوبة عن المتخصصين والمهتمين بالشأن التربوي, هل هناك مشكلة في الفلسفة؟ وأي فلسفة؟! لا أنكر هنا أنني حصلت على نسخة مصورة لفسفتنا التربوية "قبل التعديل" دون الحصول على نسخة أصلية, ولا أنكر هنا أنها ذات إطار فكري عميق في الصياغة والأسلوب, وحتى الخيط الفكري العميق الذي أناقشه هنا هو خطاب للمتخصصين وليس للعامة؛ لأن الموضوع كبير وشائك, خاصة عندما نضع في الحسبان الظواهر التربوية المعاشة في حقلنا التربوي؛ فالقارئ لفلسفتنا التربوية قراءة عميقة ودقيقة يجد أنها فلسفة ماهية لا فلسفة وجود فهي تبدأ بتحديد ماهية الإنسان (كائن عاقل), ثم يتم تحديد عملية التربية تحديدا "قبليا" لتحقيق تلك الماهية, وذلك يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان الواضحة والمعروفة. فليس من حق أي إنسان أو جهة أن تكوِّن حياةَ الفرد وتوجهها على شاكلتها؛ بل لابد أن يتم التعامل مع الإنسان كما هو, وليس كما ينبغي أن يكون, ونحن لا نستطيع أن نفهم الإنسان إلا من خلال وجوده الفعلي, بعيداعن التصورات القبلية القائمة على الافتراض, فقضية الماهية أصبحنا لا نتحكم بها في ظل الحداثة والكونية, ولا يجوز في نظري أن تكون الفلسفة التربوية بعيدة عن الواقع المعاش, ولا تعكس العلاقة المشتركة بين المعلم والمتعلم؛ فالقارئ للفلسفة التربوية يجدها تتحدث عن المتعلم لا المعلم ولا تعكس العلاقة المشتركة بينهما, وهذا قد يتعارض مع التطوير والتوجهات العالمية التي تترجمها الفلسفة, ونحن في ظل تطويرالفلسفة التربوية في الوقت الحالي بحاجة الى فلسفة الماهية وفلسفة الوجود معا,وبحاجة للعلاقة المشتركة بين المعلم والمتعلم, وبحاجة للإطار التنظيمي للوظيفة التربوية, وبحاجة الى قانون التعليم في تلك الفلسفة؛ لتتناغم مع المدخلات والعمليات والمخرجات في ظل فلسفة تربوية تؤمن بالماهية وتؤمن بالوجود, فهل لنا أن نرى ذلك, وكيف ؟


*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) ..