ما بين الشروق والغروب أتنفس صباحات كاملة منك ، وما بين الأصيل والآخر يضيع جزء مني بحث عني فيك ، فهل ترانا
نلتقي ؟

مذ زمن بعيد وانا أعني بالبعيد أنه بعيد عني وعنك وعن جنوني بك ، نما على ساحلك الشرقي طوب وقرميد ، وغرسة بعد أخرى رأى الوطن الصغير ساحلك ، وبعد زمن بعيد وأعني بالعيد انني أقترب منك كثيرا أبصرتُ ساحلك ، فغرقتُ فيه !
في حين تبقين صغيرة جغرافيا وخريطة تحدك شطآنك التي استيقظت عليها من ثلاث زوايا وتبقى الزاوية الأخيرة لي لأسكن فيها وأكبر فيك.

وأجر حقيبتي في طرقك متكاسلاً تارة وتارة أخرى نشيط ، أحمل فيها كتبي ودفاتري واقلامي وابدأ يومي صادحاً باسمك وأرسمك بقية اليوم ، وأعود مساءً وحقيبتي من خلفي تتبعني وانا أحمل حلماً يضجّ برأسي ، يفجر عزمي ولا اراه إلا فيك .
وساعة ويوم وشهر ونمضي وفي كل يوم فصل جديد يُضاف إليّ إليكِ ، فلا أنا أكفّ عن الكتابة ولا أنت تفقهين من علامات الترقيم شيء ، فيثقُل رأسي بكم هائل منك وما زلتُ أكتفي وبين السطور أبحث عنا ، عنكِ ، عني ، فهل ترانا نلتقي ؟
وأحزم قلبي وأغض طرفي عنك لأجلك مخافة أن تبكي فأبكي وأظل فيك عاجزا وأنا ما أردتُ من رحيلي إلا أن تكوني بي قوية ، وارحل عنكِ ولكن صدقيني ارحل منك لأجلك ، فهل تُراك تُصدقين ؟

أُبعثر سنيّ عمري بعيداً عنكِ وما عشتُ عمراً إلا فيك وما بقيّ فهو ليس سواء عمراً أضيفه فوق عمري لأحيا فيك عمر طويل .
وما عدتُ أصحو هنا إلا بضيق في نفسي وكدر بقلبي ورغم اتساع الفضاء أراه يضيق فاين صباحك الذي أتنفس منه زاد ليومي ؟ واين الشروق وأين الغروب واين الأصيل تلك كانت ساعاتي وعقارب وقتي وتواريخ أجندتي ، وبعيداً عنك لم ادري متى الصحو وكيف النوم وأين المبيت ، وما أنا لو تعلمين راغب بترك ساعتي ولا قلبي يُطيق أن أضبطها على غيرك فما اعتدت إلا سواك !

وأنا أمشي بين الدور والبيوت واعبر من جسر لجسر ، أتذكر مدن وقرى نائمة فيك مذ زمن ببعيد مذ أن قال ربك كوني فكنتِ ، هي تاريخ شعوب مرتْ بك وقضت فيك حقب وخلفتْ من وراها هذا العبق الذي نراه ، هن التاريخ أنت بدايته والبداية هي التاريخ .
وأتذكر إحدى دروسي وأنا صغير عن رجل شهم وضع بنائك وشيد أسوارك وسمّاك ، وحروف اسمك السبعة ، الالف الام الميم الهاء الدال الياء التاء ، مواويل أُنشدها وتعويذة تقيني جمر الغياب وحر المرض وقسوة الاشتياق ودعاء أرسله صباح مساء بأن تبقين بعدي لأجلي وهم .

وأمر بجانب البحر هنا وأتذكر بحرك والسفن التي تمخر عبابه لتستقر في ميناءك الكبير وزعيق البحارة بالبضائع وضجيج الركاب وحتى الطيور في هذه الملحمة تُشارك ، أفما آن لي أنا أيضاً أن تستقر رحالي فيك ؟ فما عدتُ أطيق أن يكون صباحي غربة عنك ومسائي طيفك يزورني ، وحينما التقى البحر بالبر تألق جبينك بساحلك الخلاب كحلية تزينت بها عروس منك ، وتلك القبور المنتشرة بجانب شاطئك رغم مهابة المكان والخشوع والحزن الذي يعمّ المكان إلا أن الجمال يبقى هو الجمال ، وحتى في الموت تُضيفين الجمال ! ام أنني أعمى وما عدتُ أُبصر سواك ؟!

ويوما أعود إليك وإلى الساحل الذي احتضنني ، ولا شيء يمنعني إلا حلم قضيتُ فيه عمراً فيك والباقي ضيعته لأجلك وسأقضي الباقي فيك وأنا ألون الحلم الذي حققته ، ويوماً أعود طفل كبير لأحيا كطفل صغير يحضن أمه ، وما بين الشروق والمغيب اعود لأتنفس روحي من صباحك فقد أتعبني صباح أقضيه بدونك وما بين الأصيل والأصيل سأواصل بحثي عني ، عنك ، فهل تُراني أجدني فيك كما كنا ؟



** ملاحظة :
المهدية مدينة في تونس ...



*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) ..