اضع بين أياديكم ما كتبه عبداللطيف الزبيدي
في جريدة الخليج الخميس 19 /07/ 2012
وهو بحق إبداع تربوي يحتاج الى نقاش وتفعيل
ابن جنّي في الابتدائي
في هذه الأمّة وزارات تربية وتعليم، وعدد كبير من جمعيات حماية اللغة العربية . ولكن لا أحد يدري لماذا لا تتنزّل البركة على جهودهم المشكورة سلفاً . سأحاول إضافة شيء ما، عسى أن يكون مفيداً لذوي الشأن .
سأنطلق من نقطة هي في نظري واحدة من أهمّ التحولات في تاريخ العلوم التربوية . وهي نقطة تجنب صبّ القواعد بالقُمع في دماغ المتلقي، يبدأ الدرس بالتطبيق العمليّ، وينتهي باستخلاص القاعدة . عندئذ لا تكون القاعدة زئبقية فرّارة، تنسى مع طيّ الصفحة .
لو قلنا لأحد المدرّسين: ما رأيك في تدريس كتاب “خصائص اللغة العربية”، لابن جني، في صفوف الابتدائية؟ لا شك أنه سيرمي القائل بالجنون . كتبت أكثر من مرّة أن جفاف المناهج، ورتابة طرائق التدريس، هما علّة الفشل في تحقيق النتائج المرجوّة . لأن المربّين التقليديين لا يريدون مقولات من قبيل “علّمهم وهم يلعبون” .
في كتاب الخصائص نجد مسألة رائعة مثل “الاشتقاق الأكبر” . وقد رفعها الكثير من علماء اللغة والعارفين بالأدب إلى مستوى فلسفة اللغة العربية . وأنا أجزم بأن تدريسها لأطفال الابتدائية أسهل من شربة ماء . المهمّ هو إخراجها من كتاب أبي الفتح عثمان، وتحويلها إلى لعبة . بشيء من الخيال والدعابة نجعل الطفل مشغولاً بالاشتقاق الأكبر مع أترابه خارج المدرسة . وهذا هو منتهى مرام التدريس .
يدخل المعلّم الصف مبتسماً: سنلعب لعبة الأكواب الثلاثة، ولكن بالحروف . تعال يا خالد، اكتب على السبورة: ب، ح، ر . عد إلى مكانك، سنغيّر مواقع الحروف مثلما نفعل بالأكواب الثلاثة . ليكتب كل واحد على ورقة كم مرّة يمكن تغيير المواقع . سيهتدي جلّ التلاميذ إلى الأوجه الستة: بحر، برح، حبر، ربح ورحب . ويستطيع تلاميذ آخر الابتدائية استيعاب المعنى المشترك أو الصفة الجامعة لهذه المفردات، وهي الاتساع: البحر والبراح والحرب والرحب . وحتى الحَبْر صاحب العلم الوسيع . في ثلاثيات أخرى يمكن أن يكشف المعلم لهم مسألة المهمل وغير المستعمل في اللغة . المهمل هو ما لم يعد مستخدماً في عصرنا . والآخر لم يستعمله العرب أصلاً، مثل “لمك” في الكاف واللام والميم .
هذه هي حكاية الاشتقاق الأكبر . وتصبح لعبة مسلّية يرى التلميذ من خلالها طرافة اللغة ويحسّ بجمالها، ولا يخاف بعد قواعدها . لا أدعو إلى جعل الموضوع في صلب المناهج، فالغرض هو كيف نخلق الجوّ .
abuzzabaed@gmail.com
المفضلات