عبد العزيز الشحي: مسندم .. مُلهمي الأول

عبد العزيز الشحي: مسندم .. مُلهمي الأول



عشق عبد العزيز الشحي الرسم والألوان منذ نعومة أظفاره، طبيعة بلاده مسندم في سلطنة عمان زادت من إحساسه بالجمال وانعكست في أعماله التي يغلفها شعور جميل حسبما يقول النقاد، عندما تم الإعلان عن عودة السلطان قابوس بن سعيد إلى بلاده بعد رحلته العلاجية، آثر الشحي أن يعبر عن سعادته بطريقته الخاصة، فكان أن كشف عن صورة للقائد رسمها قبل أشهر على أعالي جبال مسندم لتكون أيقونة المحافظة ككل.. عن بداياته وإلى أين يريد أن يصل كان لنا هذا الحوار مع الشحي:


تجربة ربما لن تتكرر مستقبلاً، أن تتعلق بصخرة شديدة الوعورة على ارتفاع 100 متر عن سطح الأرض، وترسم صورة للإنسان الأهم في تاريخ عمان، هي تجربة ليست بالبسيطة على الإطلاق، ربما من السهل على الفنان أن يرسم لوحة في حديقة أو على الشاطئ، إلا أن الرسم في هذه الظروف غير الطبيعية، هو تحدٍ كبير وفيه الكثير من الإبداع والرغبة في تقديم عمل مميز يتجاوز كل الصعوبات.


يتحدث عبد العزيز الشحي عن ظروف هذا العمل، فيقول: «العمل هو عبارة عن جدارية لصورة السلطان قابوس بن سعيد رسمت على صخرة من صخور جبال ولاية خصب والتي تشرف على الولاية ككل، ارتفاع الصخرة 5 أمتار وعرضها 3 أمتار، جاءت فكرة اللوحة قبل عام تقريباً، حيث إني كثير التردد على هذه الصخرة، ولكن صعوبة المكان وارتفاعه الذي يصل إلى ١٠٠ متر، والطريق الوعرة كلها أسباب كانت تؤرقني وتمنعني من تطبيق فكرتي التي لازمتني طوال تلك الأشهر، ولكن بعد تفكير وتخطيط دقيق لتفاصيل البدء بالعمل أخذت قراري في نهاية شهر يناير/‏‏كانون الثاني، وقمت بنقل الأغراض تدريجياً كالألوان وأدوات الرسم الأخرى والمعدات اللازمة، واستغرق رسم اللوحة على الصخرة أسبوعاً كاملاً بمعدل خمس ساعات يومياً وتزامن الكشف عنه مع المقدم الميمون لعاهل البلاد المفدى في مارس/‏‏آذار الماضي».


عن صعوبات العمل يقول الشحي: «بالفعل كانت هناك عوائق وتحديات كثيرة لإنجاز العمل، أولها كان عدم توافر فريق مساعد يتسلق معي لموقع اللوحة ويساعدني على تنفيذها وتوثيق العمل عليها خطوة بخطوة، نظراً لصعوبة ووعورة المكان، واضطررت في النهاية للعمل وحيداً وهذا تطلب مني جهداً ووقتاً أكبر».


بدأ عبد العزيز الشحي الرسم منذ الصغر، وأظهر في ذلك الوقت موهبة مميزة، لكن رسوماته لم تكن بتلك الجودة التي تجعلها تفرض نفسها على المحيط، عن بداياته يقول: «بدأت الرسم مبكراً، وهذا ما جعل من أعمالي طفولية نوعاً ما، ينقصها الكثير من التوجيه، لكن حين تعرفت الى عراب الفن التشكيلي العماني أنورسونيا اختلفت نظرتي للفن والرسم، و تعلمت منه أصول استخدام الألوان الزيتية في سن مبكرة، ثم علمت نفسي بنفسي لعدة سنوات، كنت خلالها منفرداً مع نفسي، أكتشف أساليبي الخاصة، وأعبث بالألوان ومازلت كذلك حتى الآن، وأتحين الفرصة المناسبة لكي أظهر أسلوبي وأعمالي الخاصة بي».




ولكن إلى أي مدى أثرت مسندم في توجه الشحي الفني، خاصة أن طبيعة مسندم تطغى على كل أعماله؟ يجيب: «بالفعل مسندم هي الملهم الأول لي، بحرها وجبالها الشاهقة، الشاطىء البكر، أهلها، قراها، كلها تفاصيل استوطنت الذاكرة وظهرت رويداً رويداً على الورق، وكانت موضوع معرضي الشخصي الأول في العام 2011، وكانت معظم لوحات المعرض تنتمي للمدرسة الواقعية وتجسد مشاهد بحرية من مسندم».


جانب آخر من عبد العزيز الشحي يتجسد في فن الكاريكاتير الذي لم يجد طريقه حتى الآن في سلطنة عمان، كما يقول عبد العزيز، رسوماته في هذا المجال معبرة وقوية وتحمل أفكاراً مميزة، لكنه توقف عن الرسم لعدة أسباب يلخصها في الآتي: «فن الكاريكاتير هو الفن الأقرب لي حتى يومنا هذا، لكن بعد تجربتي الأخيرة في رسم الكاريكاتيرات، تعرضت لمنعطف كبير أعاد لي حساباتي، وتراجعت لأخذ استراحة محارب مطولة، ريثما تتغير الأوضاع وتتغير عقليات مجتمعنا في مسندم، للأسف بعد تجربتي الأخيرة في رسم الكاريكاتير اكتشفت أن مجتمعنا المغلق يحتاج لسنوات كي يفهم رسالة الكاريكاتير الحقيقية، ولكنني ورغم ذلك مازلت على يقين بأنه سيأتي يوم ويفهم هذا الفن جيداً، ويكون ركيزة أساسية لإصلاح وتوجيه المجتمع».
عن تقييمه الشخصي لتجربته يقول: «مازلت في طور النضوج، ولذلك لا أستعجل النجاح أو الظهور، أنا قليل المشاركات في المعارض، والسبب يعود إلى أنني مازلت أعتبر نفسي متذوقاً للفن ولست رساماً أو فناناً محترفاً، وما زلت أرى نفسي في مرحلة التعلم، وإلى أن أصل لقناعة بأنني أمتلك أسلوباً خاصاً بي ولوحات تستحق أن تعرض في المكان والزمان المناسبين سيكون لي معارض شخصية بإذن الله».


ولكن هل تعتقد وأنت موجود في مسندم بأنك تحصل على فرص متساوية مع فناني العاصمة مسقط سواء بالظهور أو المشاركات؟
يجيب: «لا طبعاً، وببساطة لأن مسندم للآن لا يوجد بها فرع لجمعية الفنون التشكيلية خاص بها، ولا مرسم شبابي بالرغم من المطالبات، في حين أن فناني العاصمة يعملون تحت مظلة الجمعية والمرسم الشبابي، وفرصهم أكبر في كل شيء سواء بالورش أو الدورات الداخلية والخارجية، وحتى المشاركات تكون أكبر وأقوى والسبب يعود للمركزية التي تتبعها الجمعية، اليوم هناك حركة فنية قوية بين الشباب، وخاصة من طلبة جامعة السلطان قابوس الذين درسوا الفن التشكيلي دراسة أكاديمية صحيحة، وهناك وجوه شابة خرجت للساحة ولكن كل ما تريده هو الفرصة للظهور».


يعتز الشحي بأعماله كلها من دون استثناء، لكن «الكرخانة» هي الأقرب إلى قلبه، وهي رسمة لآلة خياطة قديمة تسمى باللغة المحلية «الكرخانة» رسمها عبد العزيز بألوان الباستيل ويقول عنها: «هذه اللوحة لها معزة خاصة في قلبي، ربما لأنني عندما أنظر إليها أتذكر أقرب شخص لي وهو والدتي التي تعتبر نموذجاً لنساء عمان جميعاً»
عن أحلامه، أمنياته، وطموحاته يقول: «الكاريكاتير أولاً، أتمنى العودة إليه بعد أن أشعر بأن المجتمع يتقبل ويحترم ذلك، كما أحلم بأن أرى مرسماً شبابياً خاصاً بأبناء مسندم فهم يستحقون ذلك وسيفاجئون الجميع فيما لو تم الالتفات إليهم وإلى مواهبهم، أما عن الغد فكل ما أحتاج اليه هو العمل بصمت، ومن ثم سأترك أعمالي تتحدث عن نفسها».








موقع مسندم.نت