الدكتور فلان، أو الدال فلان، كلمة وحرف يسبقان اسم صاحبهما، بل ويلتصقان به ويطاردانه في ردهات الأحلام وواضحات النهارات طيلة أيام حياته أو ما يتبقى من ذكر له بعد مماته.
هذا الهوس الذي لا يأتي في الغالب من أجل نفع الآخرين بخلاصات المعرفة، إنما كبوابة جاهزة وسهلة للإشهار الإجتماعي واكتساب سمعة متوهمة يكسوها ا لتوتر، والدليل على ذلك هو قلق الكثيرين من عدم مخاطبته بدون لقب (الدكتور) وذلك بالاكتفاء باسمه الحقيقي عاريا من اللقب العلمي الذي يفترض أن يكون نفعيا وليس (شيء آخر) كما هو الحاصل لدى معظم الحاصلين عليه في بلداننا المتأخرة تعليميا وصحيا وتكنلوجيا و و و.
لانشك في أن الباحث في سياق اجتهاده لإنجاز أطروحته المعمقة
( الدكتوراه) سوف يسلك طريقا مضنيا من المثابرة وربما سيسافر بعيدا بجسده وذهنه من أجل ذلك.
ولكني هنا أتساءل، هل هو في كل فعله السامي ذاك، كان يسعى من أجل الحصول على لقب اجتماعي، أم أن اللقب هو علمي بحت في أساسه ولن ينتصب له ظهر خارج التجديد والإضافة، بل ويتطلب خطوات لاحقة لتأكيده وتوليده على هيئة بحوث ونظريات ودراسات وغير ذلك من المساعي المولدة للجديد النظري والتقني.
واتساءل كذلك عن معنى الشهادة واللقب خارج حقلها العملي؟ فهل الطبيب حين يكون خارج عيادته يعني شيئا كبيرا للمرضى؟ وهل المهندس المعماري يمكن أن يهندس بيتا لأحد وهو يقضي عطلة استجمام فوق رمال البحر؟ وهل لعمل الكابتن أو الطيار معنى بين الناس خارج حدود حقله الفضائي؟ وهل لشهادة الطبيب البيطري أي فائدة وهو يتنقل بين حشد كبير من الناس؟
ثمة دراسة نفسية يؤكدها الباحث الإمريكي ستيفن كوفي في كتابه (العادات السبع للناس الأكثر فعالية) تؤكد على أن الذين يرسمون طموحهم على أساس اجتماعي وليس علمي، هم في الأساس ينطلقون من مركب عقد، يبقون من خلاله أسيرين لردات الفعل الإجتماعية التي لاتمجد فيهم سوى الهالة المحيطة بالذات وليس ماتنجزه وما تبدعه هذه الذات من جديد ومختلف.
استحضر هنا مقولة للشاعر والقاضي والفيلسوف الألماني غوته: 'يجب الا تكون الأمور التي في غاية الأهمية تحت رحمة الأمور الأقل أهمية'، بمعنى أنه لا يجب أن يكون اللقب العلمي حاجزا وحجر عثرة في وجه تحقيق المزيد من الإنتاج في نطاق ما تم تعلمه، فالمنهجية التي يتعلمها الدارس ستبقى مفرغة من محتواها مع الوقت وغير ذات فائدة محمود الرحبي، إذا هي حوصرت بما تم انجازه في زمن الشهادة فقط ، ولم يتمدد مفعولها بعيدا على هيئة بحوث متجددة ومختبرات وحقول تفرخ الجديد في كل مرة. فسوف تكون بذلك عجلة هؤلاء النخب المتعلمة وبالتالي عجلة المجتمع واقفة عند حدود الشهادة واللقب وسيتجاوزها الزمن والعالم بأسرع مما نتصور، وعليه فإن الباحث الحق من الأجدى له أن يبقى طالبا متعلما في كل مرة، وإلا تحول إلى شيخ محنط بدل أن يكون شابا حاملا لروح المغامرة المعرفية والتجديد.
محمود الرحبي
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\10j468.htm&arc=data\2012\08\ 08-10\10j468.htm
معرض المرفقات للصور![]()
*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) ..
المفضلات