مأساة النخيل - بقلم أحمد بن عبدالقادر الكمالي *


بسم الله الرحمن الرحيم


مأساة النخيل : انتبهوا، أنظروا ماذا يحصل للنخيل، يقطع العامل الجاهل شأن النخل، خوصها الأخضر، يجدّعها تجديعاً، أهكذا يفعل بالنخلة؟ عشرات الخوص الأخضر يشرط شرطاً، ربما نصف عدد الخوص الكلي أو دون ذلك، وبالنسبة للصغار أكثر من النصف، فماذا يبقى من النخلة؟ تكون كأنها عشبة وليست نخلة، يقطّعون أعضاءها الحية، ألسنا نعرف أن النخلة كغيرها من شجر الله تعيش بعروقها، كما تعيش بورقها، التمثيل الضوئي نفساً وغذاءً؟ خذوا الأضرار المترتبة بفعل ذلك ويفوتنا ذكر ما لا نعرفه من ضرر:

1. بعد قطع الخوص الأخضر يُقفى الكرب (يخلب) وهو أخضر، بعد سنتين يتقشع الكرب ويتفلت من الجذع من تلقاء نفسه، ويبقى الجذع أملس لا كرب له، لم؟ لأن الكربة لا تكون ماسكة بأمها بقوة إلا بعد يبس الخوصة تماماً وهي ما تزال في أمها "إنها الشجرة التي لا يسقط ورقها"، فيشرط الخوص يابساً، ويقفى الكرب يابساً، فانظروا كيف صارت النخيل المنكوبة : جذع النخلة من أسفل من أيام الهدى سميكاً سليماً بكربه، ومن الأعالي منذ أيام الغواية والعبث دقيقاً متخشعاً هشاً أملس لا كرب فيه، وهذا الجذع المتقشع المسلوت، لا يسهل رقي النخلة ولا يسمح بالثبات عليها، لا كرب "أصوله" لتمسك به الأيدي ويمسك به الحابول ولا لتثبت عليه الأقدام، وثبت انقصاف النخلة بالعاصفة من مكان الجذع الدقيق بالتحديد، وما كان يحدث هذا للنخل فيما مضى وهذا غير انجعافها من العرق.

2. تضعف مقاومة النخلة للمتق (المدبسة) لأن الخوص الصلب الكثيف الكثير يضيق عليه، بينا هو يرتع في الخوص القليل المتبقي في القمة وهو خوص غض طري، سهل على المتق الفتك به بعد الإطاحة بالكثير من أصل الخوص الحي للنخلة، أما الفسائل الجديدة فمن البداية تجز كأنها قت (برسيم) فهي قاعدة بلا خوص.

3. يضعف التمثيل الغذائي والتنفسي للنخلة فتهزل وتبدأ تنحط.

4. لا يبقى خوص يصلح لإنزال العذوق عليه وهو ما يسمى التعديل / التعكيس/ التحدير إبان يكون الثمر غضاً، إذ التحدير إنما يكون على الخوص السفلي وقد قطِّع، فتحدير الغشوم الظلوم أن يتركها مدلاة، فتنكسر العسقة ويضيع الثمر قطعاً، وحتى لو ربط العذق بالخوص العلوي فهذا الخوص هش لا يروم حمل العذوق الثقيلة ثم هو شامخ مرتفع لا يمكن تحدير العذق عليه إلا بفشعه وثنيه، وهذا بحد ذاته تخريب. إن العامل المرتزق ليست النخلة من شأنه ولا قدرة له في أن يرقى النخلة وخوصها كامل، فيجدعها ثم يتناول العذوق فيحدرها أو يفعل هذا عند التلقيح .

5. تصير النخلة مشوهة قبيحة، رأس مكشوف عار بلا خوص إلا قليل متبقي جذع ضعيف متهالك، نتيجة هذا القطع (الشرط) الخبيث للخوص، ثم القفي "الخلب" الخبيث للكرب، أمر يؤذي قلوبنا فتبكي دماً، وتلعن النخيل من فعل بها ذلك ومن سكت من أصحابها ورضي وتبلد، لا حس ولا يقظة ولا رحمة، بلّدتهم ذنوبهم، وميّعهم ترفهم، فضربوا في مالهم وحلالهم وجمالهم ولا يستفيقون. وانظر قارن بين نخلة تامة جميلة كاملة، ونخلة منكوبة مجدعة، والحظ الفارق، هذا حتى في شأن الجمال والزينة والنظر، ولما كان بعضهم وسم(كوى) لأجل الرقم والعلامة لتحديد الملكية وجوه الدواب لا على أفخاذها قال النبي صلى الله عليه وسلم وقد رأى ذلك (لعن الله من فعل هذا)، وأقول: هذا الحديث ينطبق على الفَعَلَة بالنخيل بتراً لأعضائها الحية وهي حية، وتشويهاً وعبثاً بها وإتلافاً لها.

6. بعد قطع الخوص الأخضر ثم قفي (خلب) الكرب الذي لا يقفى وهو أخضر أصلاً، يَضْرِبُ المنقارُ أو يجري المخلب في الكربة فيطيح بها خضراء يسلك فيها كما يسلك في الماء، خلاف اليابسة الصماء التي لا يجري فيها القطع إلا بتعب وجهد، فهذا القفي الأرعن يكشف الليف، ويصل إلى لب النخلة، الجمار(الحجب) وهذا جرح خطير في جسم النخلة كما هي الحال في قطع خيصانها الخضراء، ثم هذا يجعلها بلا وقاية من الحر والبرد كالجسد العاري.

7. سبحان الذي هدى أهلنا إلى ذلك الترتيب والتعامل العجيب مع النخيل وغيرها من خيرات الله التي تفضل بها علينا، فكانت عناية وتعامل الرحمة والصواب والإتقان والفهم والسلامة، وبين تعامل هذا الغشيم المجلوب يدمرها أشد من تدمير المتق والسوسة والتعطيش، فإنها تنتشي بعد كل هذه البلايا، ولكنها لا تعود سليمة أبداً بعد هذه الحرب المخرّبة والفتك المطيح، ومن شدة حذاقة الأولين أنهم يخلبون الكرب بميل لا باستواء لأجل أن ينزلق ماء المطر عنها فلا يتسرب إلى جذع النخلة فيفسد أصل الكربة المخلوبة ويضر جسم النخلة.

8. لنتقي الله في النخيل، ونتوب إلى الله من تقصيرنا وظلمنا ولا نؤذي خلق الله ونتلف أموالنا، وقد أخبرت أنه في مملكة الحجاز ونجد"السعودية" يأتون بمصريين صعايدة مهرة بأمر النخيل، وليس هؤلاء البله الذين جئنا بهم نحن ولا حس فطري لهم يمنعهم من هذا التخريب، أسأل الله أن يقبض أيديهم عن تخريب نخيلنا وأن ينبه أهلنا ورعاتنا إلى تدارك غاليتنا ورفع المأساة عنها، اللّهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.

9. كان أهلنا في زمن اهتدائهم وسلامة عقولهم وضمائرهم لا يدعون القائم بخدمة النخيل أن يقطع خوصة خضراء واحدة، واحدة فقط، فإن فعل عوقب، وبخ وضرب، لم؟ يعرفون أن هذا الفعل مضر متلف، فما بالك بالذي يحصل الآن؟ نتمدح بأننا وأننا، تحضرنا وتطورنا وعرفنا ما لم يعرفه أهلنا، لكن انظر إلى جهلنا وتبلدنا في هذا الحاصل مع النخل، وأمثاله كثير كثير، نحن لعمر الله أسخف وأغشم، هداهم الله إلى كسوبهم، معايشهم ومصالحهم، وعميت بصائرنا وأبصارنا، فلا فهم ولا إحساس ولا شعور، وكل ذلك بسبب ذنوبنا وعصياننا لربنا، قال الله : “ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكاً"،وقال الله:”وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" وقال الله تعالى:"ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس".

10. وسمعت عن من لديه حوائط النخيل، يجبر العمال وهم من قومنا أن يساووا بين العذوق عند تحديرها، فلا يتأتى لهم هذا، لأن العذوق منها العالي والسافل وطويل العسقة وقصيرها والمتقدم طلوعاً والمتأخر، فيعمد الخدِّيم إلى أصل العذق مكان اتصاله بأمه فيقطع عسقة العذق من أعلى نصف قطع "وهذا مخفي لا يرى" ليطاوعه العذق في التحدير فيجعل العذوق على سواء، ثم تخرب الثمرة بعد، فهذا إفساد لحمل النخلة وبطر وتكلف وتخلّف وتلف وسخف لا يرضاه الله، هو عبث بنعمِ الله، الآمر يجعل النخلة زينة بثمرها على مُرَاده، والنخلة تحرد من ذلك حتماً، لأنه إفسادٌ لثمرها، وهذا الفعل يضرها ولا بد، إفساد ثمرتها قبل النضج وقد تعبت وجهدت، وسخرها الله لتطعمك لا لتعبث بها.

إنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم غفراً وعفواً ولطفاً، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.





* بقلم / أحمد بن عبدالقادر بن عبدالرحمن الكمالي
عُمان / خصب ، 12 محرم 1434 هــ

رقم النقال 98913648



=======================================
* مقالات يكتبها لشبكة مسندم أبناء و أقلام و مثقفين و وجهاء محافظة مسندم ، تضاف المقالات بشكل متجدد ،
و يمكنكم زيارة بقية المقالات بالـضغط هنـــا .

كما يمكنكم نشر مقالكم الخاص بالتواصل مع ادارة الواجهة العربية للموقع على البريد الالكتروني :
musandam.net@gmail.com