((أخصّائي قواعد البيانات ... بينَ التَّهميش والتمكين )) ..
مقال لــ : مُنيرة بنت خميس المعمريّة
_ _ _ _ _ _ _
كانَ لابُدَّ لنا أن ننسلخَ "ظاهريّاً" من تخصُّصنا الأصليّ الذي أمضينا سَنواتٍ عدّة ندرسُهُ مُرهقينَ أنفُسَنا بالدراسة وطلب التميُّز فيما نحنُ ندرسُهُ ، هيَ لحظةُ صراعٍ بين فرحةٍ التخرُّجِ وصدمةِ الواقع حين لم نجد لنا مجالاً للتعيين حسب تخصُّصاتنا التي طرحتها وزارة التعليم العالي واخترناها بملء إرادتنا ، ولكن لم تكُن مخطّطات وزارة التربية صائبةً في مدى حاجتها لنا ، وما هي إلا سنةٌ واحدةٌ حتّى بدّلت رأيها في المكان الذي ستضعُنا فيه ، والشكرُ لجلالة السُّلطان الذي وجّه وزارتنا الموُقّرة لتستوعبَنا في مجالات أُخرى واستحداث وظائف لنا في قطاع التربية لتُحلّ مُشكلة الفائض في تخصُّصيّ " التربية الإسلاميّة واللغة العربيّة " آنذاك ..
في تلك الأثناء كانت السيّدة بوّابة ( بوّابة سلطنة عُمان التعليمية ) لا تزالُ شرنقةً في طُور التشكُّل ، فجاءت الفكرة باستحداث وظيفة "أخصائي قواعد بيانات" ، ليكُونَ لها بمثابة "مصباح علاء الدين" ، أو يكُونُ لها الحارسَ الأمين ، والمجاهِد المكافِح حتى يُحقٍّقَ لها الانتصارَ في كُلّ محفلٍ ومَجمع .. فسِيقَ لها أخصائيّو قواعد البيانات زُمراً ، وسُلّحوا بمهارات التعامُل معها بالتدريب في المشاغل التي عُقدت لهم بصورةٍ مُكثّفةٍ خاصّة في بداية التعيين ...
بطبيعة الحال ليس بأيدينا الاعتراض على الوظيفة هذه التي جُعلنا لها أمام الأمرِ الواقع ، وأمضينا سنواتٍ أربع حتّى الآن نكافحُ لأجلّ رقيّها حسب المتوقّع والمأمُولِ منا ..
رتابةٌ نقضيها كلّ يومٍ ، من بعد الطابُور وحتى انتهاء اليوم الدراسي ونحنُ أمام شاشة الحاسُوب تواجهُنا البوابة التعليمية ، نبحثُ في طيّات سجلاتها ، نستخرجُ المطلوب ، نستكمل النواقص ، في حالةٍ ذهنيّةٍ مُشتّتة بين انجاز أعمالنا ، ومطالب إدارة المدرسة والمعلمين ، ومطالب المسؤولين في المديريّة .. مع بداية كُل عام نضعُ خطّة عملٍ لنا ، ولكننا في كُلّ مرّة ننجزُ أضعافاً مضاعفةً عن المكتُوب في الخُطّة ..
قبلَ عامين كانت لي مُشاركةٌ في برنامج (حوار الشباب) الذي ناقشَ ذلك اليوم موضوع "بوابة سلطنة عُمان التعليمية" من حيثُ مشاكلها التي يعاني منها مستخدمُوها، ولقد طرحتُ أمام المسؤولين المأساةٌ ، والمعاناةٌ الكُبرى التي نعانيها ، وهي : كيف لهم أن يُطبّقُوا نظاماً في مُؤسّسةٍ ما بدون أن تُوجدَ لها أرضيّةٌ خصبةٌ يقفُ عليها النظامُ المطبّق ، وأعني هُنا شبكات الانترنت التي تفتقرُ لها الكثيرُ من مدارس السلطنة ، ومدرستي نموذجٌ لهذا ، حيثُ أمضيتُ ثلاث سنواتٍ أتبرّعُ بهاتفي الشخصي لنفتحَ عن طريقِه الانترنت ونشتغل على البوابة التعليمية ، وقد ترقينا هذا العام لنستخدم المودم الفردي الذي يعمل على جهاز واحدٍ فقط بالمدرسة ، وطبعاً لم تفلح مخاطباتنا للمسؤولين في تغيير الوضع ، مثلما لم تأتِ تلك الحلقة في برنامج حوار الشباب بأي نتيجةٍ تُذكر حتى اليوم !
كثيراً ما كان الأستاذ عبدالله الحمادي رئيس شعبة البوابة التعليمية بمحافظة جنوب الباطنة يردد علينا أننا "أخصائيي وأخصّائيات قواعد بيانات" ولسنا "مدخلي بيانات" وأنّ وظيفة "مدخل بيانات" لا وجود لها من الأساس ويتوجّب علينا الدفاع عن مسمّانا الوظيفي ، لأنّ وظيفتنا حسب التصنيف مهمتها "المتابعة" وليس "الإدخال" ، مما ترك في نفسي حتى الآن حساسية هستيرية من مسمى "مدخل البيانات" ، ربما الفرق في المسمى ولكن الواقع غير ذلك ، فنحنُ مضطهدُون في مدارسنا فوق المتوقّع ، فكل الأطراف تتجاذبنا بطلباتها من كُلّ ناحية .
خُذ أنتَ يا "مدخل البيانات" ! الجدول المدرسي ، وأنجِز بنهاية كل فصل "التحليل الإحصائي لنتائج الطلبة" ، تابع إيميلات إدارة المدرسة ، استخرج ما يُطلب منك ، لا تنسَ غياب الطلاب ، قُم بدور المنسق والمدير ومساعده في حالة غيابهم ، أنت مدرّب للمجتمع كلّه ، مدرّب لكل من في المدرسة ، كُن اليوم فني حاسُوب ، كُن معلماً احتياطيّاً ، المدرسة تحتاجك في المناوبة ، أنت أوّل من يدخل المدرسة ، وآخر من يخرج منها ، أنتَ العبقريّ أنجِز وأنجِز وأنجِز ... أنتَ لكُلّ شيء .. فأنتَ (( بتاع كُلّه )) !
هكذا دأبُنا ، الجلوس المتواصل أمام الحاسوب سبّب لنا مشاكل صحيّة كآلام الظهر والصداع وضعف النظر ..هذا عدا الألم النفسي من تهميش وزارتنا الموقّرة لنا ، فلا علاوات تحفيزيّة ، ولا أبسط حقوق لنا في نيل علاوة "التعليم الأساسي" كباقي المعلمين ، فهل من العدل أن يكون راتب المعلم الذي يتعيّن للسنة الأولى أكبر من راتب أخصائي قواعد البيانات الذي تعيّنَ من أربع سنوات ! ، وبعضُهم الذي سبقونا في التعيين قد حُذفت عنهم علاوة التعليم الأساسي .. إن لم نكُن نستحقها فمن الأحرى أن يصدر قرار لنخرجُ من الدوام قبل المعلمين .. إننا نقفُ مبهوتين من كثرة الجوائز التي تحصُدها البوابة التعليمية ، الدولية والمحليّة ، فهل تذكرُوا يوماً ذلك الذي قامت على كاهله البوابة التعليمية ، هل كُرّمَ يوماً أخصّائي قواعد البيانات في أحد مرّات فوز هذه المنظومة التي يرعاها كإبنته ليل نهار !
حتّى "الملتقى" الذي نُظّم لنا مرتان في نهاية العامين الدراسيين المنصرمين قد ضنّوا به علينا وحُذف من القائمة ، وقبل في اليوم الذي نشرت فيه وزارة التربية "هيلمان" الزيادة في الرواتب ، فوجئ أخصائي قواعد البيانات حامل "البكالريوس" أنّه ضمن فئة "منسق المدرسة" في الزيادة الكريمة التي بلغت ستة ريالات...
لا تستغرب وزارة التربية والتعليم أن يتأفف يوماً أخصائي قواعد البيانات من العمل باحثاً عن تمكينه المنطقي في موقعه في ظل تهميشه واضطهاده بكيله بمزيد من الأعمال في ظل غياب التحفيزات والعلاوات التي رُبّما ترفعُ من معنويّاته وتصبّرُه على تحمُّل تلك البوابة التي هي أشبهُ بـ"الرحى" في دورانها البطيء المعذّب للذات .
*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) ..
المفضلات