من أنا ؟
من أنا ؟ سؤال غريب يحلق فوق رأسي ، يستقر في صدري ، فلا يجد المساحة الكافية له ، لأنَّه ورغم كل ما حولي ، لازلت أحوم حول نفسي فلا أعرف ذاتي ، ولا أجد مدخلاً ألج من خلاله لاكتشافي ، من أنا يا ترى ؟ أأعرفني حقاً ؟ أم أنَّ الحياة رسمت لي "آمنة" مختلفة ؟
أنا المدينة القديمة ، التي من سمرتها تُصنع البيوت العتيقة ، لها رائحة تثير شهية الحزن والحنين إلى الشيء الذي لا يعود لنا مرة أخرى. طفلة تركض في طريق قريتها ، لها ضفيرة طويلة ، ممتدة للسماء ، وكأنها توصلها إلى تلك الأساطير التي لا توجد إلا في مخيلتها ، ولطالما سِخَر الكثير من هراء تخيلاتها .
فتاة العشرين ، أمتلك شخصيتين ، شخصية يراها الناس طيبة ، حنونة ، بشوشة ، خجولة ، طموحة . وشخصية أراها أنا فيَّ ، شريرة ، أنانية ، متسرعة ، مزاجية ، ملولة ، أكابر ، ولا أعترف بخطئي أبداً ، أحكم على المظهر دائماً .
كنت أحسبُ أنَّ الحياة هي عائلتي ، مدينتي الفاتنة ، صديقاتي المقربات ، وحين كبرت ، والتحقتُ بالجامعة ، وجدتُ أنِّي أتخبط في ديمومة الحياة الجامعية ، الحياة التي تضم دراسةً مختلفة ، صديقات أخريات ، سكن أرى من خلاله وجوهاً مخيفة ، تمتد لي ، لتقتلعني من براءة الطفولة التي لازمتني لفترة طويلة ، وتنتشلني من مدينتي الفاضلة ، وترميني عند أول عتبة في الحياة !
حياتي مليئة بفيروز ، لأنَّها شقَّت صدري ، وزرعت فيه الطفولة الوردية ، والشقاوة اللذيذة ، والكثير الكثير من الأحلام الصغيرة. أعشق صوت أميمة خليل وبالأخص حين تحلق مع أغنيتها المفضلة بالنسبة لي " عصفور طل من الشباك " ، وأذوب مع ماجدة الرومي حين تهمس في صدري قائلة " يسمعني حين يراقصني " . وبالمقابل فأنا أمقت الكثير من الأصوات الخليجية ، والأغاني الحالية والتي لا تحمل بين طياتها سوى الكلمات "التافهة" ، والتي تثير اشمئزازي !!
أخاف المطر، و العلاقات ، ولا أشعر بلذة الحياة ، لذة التفاصيل الصغيرة التي لا نعيشها ، ولا نرتبط بها ، أخاف أن أفقد قريباً ، صديقاً ، ممم ربما أكذب ، لأنَّ خوفي في الفقد كامن فقط في فقدي لأبي وأخي ، لا أدري إن كنت حقاً قادرة على أن أعيش دون نظرة والدي الحادة ، أو ابتسامة أخي الحانية . فأبي هو الشمس المشرقة في حياتي ، و أخي سلطان هو الذي يثير فيني شهية الحب اتجاه الحياة ، فهو الحياة التي أفتقدها ، هو العالم الجميل الذي لا يسكننا الآن.
أحببتُ القراءة والكتابة في وقت متأخر من عمري ، ربما قبل سنتين أو ثلاث تقريباً ، غرقت في القراءة ، فانزلق القلم والحرف في داخلي بسلاسة. محمود درويش ، نزار قباني ، غادة السمان ، أحلام مستغانمي ، عبدالرحمن منيف ، الطيب الصالح ، طه حسين ، علاء الأسواني ، فاروق جويدة ، يوسف زيدان ، والكثير من امتلأت بهم مكتبتي التي اقتناها أبي لي حين زاحمته في مكتبه الخاصة . أعشق بحة دلال البارود ، صدق واندفاع ميسون السويدان ، نوارس حسن النجار ، رقة كلمات الدكتور علي جعفر العلاق التي كانت تدفعني للغرق أكثر في صفحات الأدب ، والتحليق معهم ، و الشعور بنشوة الجمال .
أتمنى لو أقرأ أكثر ، في الجغرافيا ، والسياسة ، و المعتقدات الدينية ، والثقافات المختلفة ، والفلسفة ، و أن أكون كاتبة لا تكتب فالحب فقط ، بل أن يملك قلمها قضية ما ، تناضل من أجلها ، وتدافع عنها !
أؤمن أنَّ للقهوة مواد مسكرة ، نذوب بها ، وتُذيبنا ! لا يمر يوم دون أن أتلذذ بها. أحب فصل الشتاء والصيف رغم تناقضهما. أعشق دهن العود ، العطور الفرنسية ، الكتب القديمة ، التقاط الصور وتجميعها في ألبوم بعيداً عن تخزينها في الحاسب الآلي ، وتجميع التحف الصغيرة و التي تدل على كل بلد أزوره ، اقتناء الأكواب المختلفة باختلاف أشكالها وألوانها ، الدفاتر القديمة والجديدة ، الرسائل الورقية التي انقضى وقتها ولم أعش حتى لذتها .
قضية فلسطين ، هي التي تؤرقني ، وأدعو الله كثيراً حتى تتحرر هذه البلد التي صُلبت على خارطة صدري ، فالأزقَّة هناك تبكي وتشي ببشاعة الاحتلال .
قد تكون هذه أنا ؟ وقد لا تكون ! هي محاولة لاكتشاف الذات التي نغفل عنها كثيراً ، لأننا نعيش الحياة بروتينية مملة ، بطريقة تجعلننا ننسى أنفسنا مقابل أن نبقى على قيد الحياة .
" اشتقتُ لكم هنا"
*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) ..
المفضلات