كرياتُ دمٍ سوداءُ .. الحلقـةُ الثانيـــــ[ أنتَ والمعلِّمُ ] ــةُ ..
☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀
معَ عهدِ النهضةِ المباركةِ والخيرُ إلينا يتدفَّقُ .. والتعليمُ يغدو نعيمًا كالماءِ يترقرقُ .. أنشئتِ المدارسُ في كلِّ الولاياتِ بأعدادٍ متفاوتةٍ .. فساعدَ ذلكَ على إيجادِ فرصةِ عملٍ للمعلِّمينَ قريبًا منْ أماكنِ سكَنِهِمْ .. وهذا ما يتمنَّاهُ كثيرٌ منَّهمْ .. واثقونَ أنَّ كرياتَ دمِهِمُ البيضاءَ لنْ تتعكَّرَ أمامَ القريبِ أوِ البعيدِ وقتَ تعامُلِهمْ معهمْ .. فأناخوا مطايا رِكابِهمْ عندَ أقربِ مكانٍ لعملِهِمْ .. بحجَّةِ تقليلِ تكاليفِ الذهابِ والإيابِ منْ ناحيةٍ .. وضمانِ الوصولِ إلى مكانِ العملِ قبلَ الموعدِ المحدَّدِ منْ ناحيةٍ أخرى .. وممَّا ينظرُ إليهِ هؤلاءِ أنَّ العملَ واحدٌ .. وأنَّ الظروفَ واحدةٌ .. وأنَّ ما يمكنُ أنْ يتعرَّضَ لهُ في مكانِهِ القريبِ هوَ نفسُهُ في محلِّهِ البعيدِ .. أيْ : [ ماشي حلَّةْ ما فيها علَّةْ ] فالمهمُّ هوَ أنْ يتكيَّفَ معَ الوضعِ المهنيِّ الذي يشغَلُهُ ..
☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀
وعلى ضفافِ النظرةِ الأخرى هناكَ منْ يحبِّذُ العملَ في مكانٍ قَاصٍ عنْ مدرسةٍ بها أهلُهُ ومعارِفُهُ .. بعيدًا عنْ تأثيرِ وضغطِ الجيرانِ والخلَّانِ .. يظنُّونَ أنَّ هناكَ مَنْ سيستغلُّهمْ ليُكْثِرَ الطلباتَ أوْ رُبَمَا ليتتبَّعَ العثراتَ .. فيتأذَّى منْ طلباتِهِ وتواصلِهِ المستمرِّ .. أوْ إلقاءِ اللائمةِ عليهِ دائمًا إنْ رَأَوْا تقصيرًا منهُ في واجبِ الرَّحِمِ أوْ الجيرةِ إنْ كانوا جيرانَهُ .. وكيْ لا ينازِعُهُ فِكرُهُ ويؤنِّبُهُ ضميرُهُ تجاهَ أهلِهِ منَ الطلابِ إنْ وقعَ في لجَّةٍ متلاطمةٍ منْ أسئلةِ امتحاناتٍ .. أوْ شيءٍ منْ أخلاقِيَّاتٍ تستدعي اختبارًا ولكنَّهُ في حالةِ ضعفٍ وشعورٍ إنسانيٍّ تساهلُ معهُمْ .. فإنَّ في قلبِهِ غصَّةٌ على تجرُّؤٍ وانتهاكٍ غيرَ مرغوبٍ وغيرَ مشروعٍ لقيمةٍ خُلُقيَّةٍ يؤمنُ بها .. ويبتعدُ أحيانًا حتَّى لا يُنْشَر عنهُ موقفًا أوْ تقييمًا منَ طلَّابِهِ أمامَ أهاليهِمْ .. فيحبِّذُ البعدَ عنِ القيلِ والقالِ وضربِ المثالِ .. ويظلُّ منثنيًا مستسلِمًا أمامَ طولِ المسافةِ وبُعْدِ الشُّقَّةِ فقطْ ليتلاءَمَ نفسيًّا معَ عملِهِ منْ كلِّ النواحي – في نظرِهِ – فكلُّ شيءٍ يهونُ مقابلَ راحَتِهِ الوظيفيَّةِ والاجتماعيَّةِ .. وما إلى ذلكَ منْ أسبابٍ ..
☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀
مَنْ أردتُ الإشارةَ إليهِمْ همْ معلِّمو الفئةِ الأولى .. لأنَّ الثانيةَ قدْ نَأَتْ بنفسِها عنْ مواطنِ الشبهاتِ والخللِ معَ الأقاربِ والأهلِ .. على عكسِ أولئكَ الذينَ يستغلُّونَ مكانتَهُمُ الوظيفيَّةَ .. أنتَ كطالبٍ أوْ وليِّ أمرٍ أوْ معلِّمٍ أوْ مديرٍ لا يخفى عليكَ ذلكَ التعاطفَ الكبيرَ منْ هذا المعلِّمِ لذاكَ التلميذِ على وجهِ الخصوصِ ؛ لأنَّهُ أخيهِ أوِ ابنُهُ أوِ ابنُ عمِّهِ أوِ ابنُ خالِهِ أوْ ابنُ خالَتِهِ .. وهذهِ ظاهرةٌ توجدُ معَ تحفُّظِ المعلِّمِ نفسِهِ أحيانًا على أسلوبِهِ .. ومحاسبتِهِ الظاهريَّةِ لتصرُّفِهِ والذي لا يعيرُهُ أيَّ مبالاةٍ لتغييرٍ .. فكيفَ – في نظرِهِ ونظرِ أقربائِهِ - هوَ معلِّمٌ ولا يداري أهلَهُ وجيرانَهُ ومعارِفَهُ داخلَ المدرسةِ أوِ الصَّفِّ !! يلاحظُ الزملاءُ وغيرُهُمْ تلكَ المعاملةَ اللطيفةَ الحسناءَ لقريبِهِ .. وذلكَ العتابَ البريءَ إنْ نسيَ أوْ أخطأَ .. أمَّا غيرُهُ فهمْ في سلَّةٍ مُهْمَلَةٍ إمَّا خلفَ البابِ لا يراها المعلِّمُ .. وإمَّا خلفَ الطلابِ تواجهُ المعلِّمَ كلَّما إليها نظرَ .. فيراقبُ تحرُّكاتِهِمْ وهمساتِهِمْ ويلومُهُمْ ويعاقبُهمْ لأنَّهُ لا صلةَ لهُ بهمْ .. فيبرزُ نفسَهُ ومهنَتَهُ أمامَ أولئكَ فحسبُ ..
☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀
تتساءَلُ أنتَ كوليِّ أمرٍ مثلًا في نفسِكَ أوْ أمامَ غيرِكَ : لماذا يفضِّلُ قريبَهُ على أبنائِنا !! أَلَا يتَّقي اللهَ في أمانَتِهِ !! ألا يظنُّ أنَّهُ محاسَبٌ على هذا التبايُنِ في معاملتِهِ هذهِ !! ذاكَ إنْ نسيَ كتابَهُ لمْ يعنِّفْهُ .. وإنْ غابَ لمْ يوبِّخْهُ .. وإنْ أساءَ الردَّ عفا عنهُ .. وإنْ تخاصمَ معَ زميلِهِ ألقى اللومَ عنهُ .. وإنِ اشتكى على أحدِهِمْ أزاحَ الضَّجَرَ عنهُ .. كرياتُ دمِهِ بيضاءَ في نظرِ ذاكَ الطالبِ وأهلِهِ .. يقومُ بواجِبِ الدفاعِ والحمايةِ القصوى لقريبِهِ ولوْ على حسابِ غيرِهِ .. أبناءُ معارِفِهِ لهمُ الوَلايَةُ .. وأبناءُ غيرِهِ فمنهمُ البراءةُ .. فهمْ ليسوا في نظرِهِ إلَّا عبئًا عليهِ وكدرًا [ وأنتَ يا – قريبَ المذكورِ - فَرِحٌ مغتبطٌ متفاخرٌ بوجودِ هذا المعلِّمِ لأنَّهُ يراعي ذِمَّتَكَ وَرَحِمَكَ .. وقدْ تقولُ : منَ البديهيِّ أنْ يحسنَ إلى أهلِهِ وأنْ تكونَ لهمْ مكانةً في قلبِهِ ونَظْرَتِهِ .. أولئكَ طلَّابٌ – أوْ معلِّمونَ أوْ أولياءُ أمورٍ - تملاُ الغيرةَ والحسدَ قلوبَهُمْ على حسنِ تعاملِ قريبِنا معَ ابنِنا .. ولنْ ننسى إحسانَهُ فيهِ ما حَيِينا ] ..
☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀
وبعدما دارتِ الأيَّامُ .. ومرَّتِ السنواتُ .. وقدَّرَ اللهُ لابنِكَ يا وليَّ الأمرِ أوْ أنتَ أيُّها الطالبُ أوِ المعلِّمُ أوِ المديرِ أوْ غيرُكُمْ .. فأصبحَ جارُكَ أوْ قريبُكَ معلِّمًا .. وراعى حقَّكَ كجارٍ أوْ أخٍ أوْ زميلِ عملٍ أوْ مديرٍ أوْ ... وكانَ تعامُلُهُ معَ ابنِكَ بتلكَ الكرياتِ البيضاءِ .. فأعطاهُ اهتمامًا ومراعاةً ..أمَّا غيرُهُ .. فلا زالوا تحتَ وطأَةِ التمييزِ في التعاملِ يئنُّونَ .. ويشتكونَ لأولياءِ أمورِهِمْ كما كانَ أبناؤُكَ يشتكونَ .. فهلْ سيستحقُّ المعلِّمُ السابقُ- منْ وِجْهَةِ نظرِكَ - صفةَ .. ذا [ كرياتِ دمٍ سوداءَ ] !!
☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀☀
*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) ..
المفضلات