الحمد لله على نعمه الباطنة والظاهرة، شرع لعباده ما يصلحهم ويسعدهم في الدنيا والآخرة، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه نجوم الهدى الزاهرة، ومن اتبع هديه وتمسك بسنته الطاهرة، أما بعد:
أيها المسلمون.. نذكركم بفضيلة هذا الشهر المبارك ونسأل الله أن يوفقنا لاغتنام أوقاته بالعمل الصالح وأن يتقبل منا، ويغفر لنا خطايانا إنه سميع مجيب.
فقد روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك"
[أخرجه البخاري رقم 1894، 1904 ومسلم رقم 1151]
فهذا الحديث الشريف يدل على جملة فضائل ومزايا للصيام من بين سائر الأعمال منها:
أن مضاعفته تختلف عن مضاعفة الأعمال الأخرى، فمضاعفة الصيام لا تنحصر بعدد، بينما الأعمال الأخرى تضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف.
ومنها أن الإخلاص في الصيام أكثر منه في غيره من الأعمال لقوله: "ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي".
ومنها أن الله اختص الصيام لنفسه من بين سائر الأعمال، وهو الذي يتولى جزاء الصائم لقوله: "الصوم لي وأنا أجزي به".
ومنها: حصول الفرح للصائم في الدنيا والآخرة، فرح عند فطره بما أباح الله له، وفرح الآخرة بما أعد الله له من الثواب العظيم، وهذا من الفرح المحمود لأنه فرح بطاعة الله كما قال تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا} [يونس 85].
ومنها: ما يتركه الصيام من آثار محبوبة عند الله وهي تغير رائحة فم الصائم بسبب الصيام، وهي آثار نشأت عن الطاعة فصارت محبوبة عند الله تعالى "ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".
ومن فضائل الصيام: أن الله اختص الصائمين بباب من أبواب الجنة لا يدخل منه غيرهم إكراما لهم كما في الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال أين الصائمون؟ فيقومون فيدخلون فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد" [أخرجه البخاري 1896 ومسلم 1152].
ومن فضائل الصيام: أنه يقي صاحبه مما يؤذيه من الآثام ويحميه من الشهوات الضارة، ومن عذاب النار، كما ورد في الأحاديث أن الصيام جُنَّة ـ بضم الجيم والنون المشددة المفتوحة ـ أي ستر حصين من هذه الأخطار.
ومن فضائل الصيام: أن دعاء الصائم مستجاب فقد أخرج ابن ماجة والحاكم عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد" [أخرجه ابن ماجة رقم 1753 والحاكم في المستدرك 1/422]، وقد قال الله تعالى في أثناء آيات الصيام: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} [البقرة 186] ليرغب الصائم بكثرة الدعاء.
ومن فضائله: أنه يجعل كل أعمال الصائم عبادة كما روى أبو داود الطيالسي والبيهقي عن ابن عمر مرفوعا:
"صمت الصائم تسبيح ونومه عبادة ودعاؤه مستجاب وعمله مضاعف"
[أخرجه الديلمي في مسند الفردوس 3576 والهندي في كنز العمال وعزاه إلى أبي زكريا بن منده في أماليه رقم 23602].
ومن فضائل الصيام: أنه جزء من الصبر، فقد أخرج الترمذي وابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام نصف الصبر" [أخرجه أحمد 4/ 260، والبهقي في شعب الايمان 7 / 177 رقم 3297، وابن ماجة رقم 1745]
وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن الصابرين يوفون أجورهم بغير حساب.
ومن فضائل الصوم وفوائده الطبية أنه يسبب صحة البدن كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "صوموا تصحوا" رواه السني وأبو نعيم [ذكره الهندي في كنز العمال رقم 32605 وعزاه إلى ابن السني وأبي نعيم وقال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء 3 / 75، رواه الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الطب النبوي من خديث أبي هريرة بسند ضعيف، وقال الصاغاني موضوع]، وذلك لأن الصوم يحفظ الأعضاء الظاهرة والباطنة، ويحمي من تخليط المطاعم الجالب للأمراض، هذا وللصيام فوائد كثيرة لا يمكننا استيفاؤها، ولكن الغرض التنبيه على بعضها، وفي هذا القدر كفاية إن شاء الله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.
حديث اليوم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسَافِرِ ))
رواه البيهقي في شعب الإيمان، وصححه الألباني
قطوف
سُئل الإمام أحمد بن حنبل:
كم بيننا و بين عرش الرحمن ؟
فقال: دعوة صادقة . . من قلب صادق .
ذكرى
قال الأصمعي : بينما أنا أطوف بالبيت ذات ليلة إذ رأيت شابًا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول:
يا من يجيب المضطر فى الظلم
يا كاشف الضر و البلوى مع السقم
قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا
وأنت يا حي يا قيوم لم تنم
أدعوك ربي حزينًا هائمًا قلقًا
فارحم بكائي بحق البيت والحرم
إن كان جودك لا يرجوه ذو سفه
فمن يجود على العاصين بالكرم
ثم بكى بكاءً شديدًا و أنشد يقول :
ألا أيها المقصود فى كل حاجتي
شكوت إليك الضّر فارحم شكايتي
ألا يا رجائي أنت تكشف كربتي
فهب لي ذنوبي كلها واقض حاجتي
وما فى الورى عبد جنى كجنايتي
أتحرقني بالنار يا غاية المنى
***
يقول الأصمعي : فدنوت منه .... فإذا هو زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ... فقلت له : سيدي ما هذا البكاء والجزع .. وأنت من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ؟
أليس الله تعالى يقول : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرًا }.
فقال : هيهات هيهات يا أصمعي إن الله خلق الجنة لمن أطاعه .. ولو كان عبدًا حبشيًا ... وخلق النار لمن عصاه ولو كان حرًا قرشيًا ... أليس الله تعالى يقول:
( فإذا نفخ فى الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون *
ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم فى جهنم خالدون )
المفضلات