بعد تلك العاصفة الهوجاء، التي كسّرت الأغصان، واقتلعت الأزهار، ونقلت الصخور قسرًا من أماكنها، وأسقطت الأوراق والثمار مبللةً بدموع الفراق، سكن المكان، وهدأ كأن شيئًا لم يكن.

خرجت تلك الصبية تتأمل الطبيعة بعد الذي حدث، سمعت نحيبًا أشبه بنحيب أرملة فقدت زوجها، أو كأم سُلب أبناؤها منها، وإذ بشجرة تلتوي ألمًا، وتئن وجعًا، فسألتها الصبية:
-ما بالكِ أيتها الشجرة؟؟

أجابتها بوهن:
-ألا ترين ماذا حلّ بي؟ أصبحتُ مجردة من الأوراق والثمار، أغصاني باتت تقاسي العذاب، جذوري على وشك أن تُقتلع من مكانها، إني على وشك الرحيل، فكيف تريدين مني ألّا أبكي؟!

فقالت الصبية مخففة وطأة ألم تلك الشجرة:
-الصبر أيتها الشجرة، لا تستبقي الأحداث، فقد تعيشين، الجو صافٍ الآن، وتستطيعين استعادة نشاطكِ وحيوتكِ، تنفسي من جديد، لا تفقدي أملا لم ينفد بعد.

ضحكت الشجرة بسخرية، ثم قالت:
-وهل سيتركني بنو البشر أعيش؟؟ أنتِ لا تعلمين ما أشعر به وإلا لما قلتِ ما قلتِ من كلام، رجاءً أتركيني أعيش ما تبقى من عمري، دعيني في هذه اللحظات القصيرة من حياتي لأتذوق مرارة الوداع.

ذهبت الصبية عنها، ومشت لخطوات ليست بقليلة، ثم سمعت صوتًا يطلب المساعدة، اقتربت من مصدر الصوت، وإذ بها ترى جزءًا من ساق خفيفة تحت صخرة صلدة، أزاحت الصخرة، فرأت زهرة حمراء سيئة الحال، ضعيفة لا تقوى على الحراك، جذورها مقتلعة من مكانها، سألتها:
-أأنتِ بخير أيتها الزهرة؟

أجابتها:
-لست بخير، ولكني سأتعافى عمّا قريب، فلا تقلقي.

تعجبت الصبية وسألتها:
هل تستطيعين الاستمرار وأنتِ بهذه الحال؟؟

ردت الزهرة:
-ولمِ لا؟ فقط ثبتيني في التربة من جديد، وسأعود زهرة جميلة إلى هذه الحياة كالسابق.

انصاعت الصبية لأوامر الزهرة وثبتت جذورها على التربة من جديد، ومن ثم ذهبت إلى بيتها .

في اليوم التالي عادت الصبية لذات المكان، فرأت شجرة الأمس منبطحة على المرج وفي شفتها ابتسامة حزن وأسى، قد رحلت عن الحياة بائسة حزينة، ومن ثم رأت زهرة الأمس شامخة بهامتها نحو الثريا.

فقالت في نفسها:
-لا يعيش من الطبيعة إلا صاحب الهمة والعزيمة المتوقدة، تمامًا كبني البشر.

بنقدكم أرتقي..



*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) ..