«كهف الجاشع» يختزل 200 عام من تاريخ النصلة في رأس الخيمة..
الاتحاد
تعد منطقة النصلة من المناطق التي كانت نائية والوصول إليها كان صعباً للغاية، وهي تقع في آخر بقعة بين دولة الإمارات وسلطنة عمان، وبما أن المنطقة بعيدة عن البحر، ولم تكن توجد طرقاً معبدة قبل أكثر من مائتي عام، فكان أهالي النصلة يشترون الأسماك من أماكن بعيدة، وربما كانوا يقبلون على الجاشع أكثر من أي نوع آخر، لأن هذا الصنف البحري من أنواع سمك السردين الصغير جداً، الذي يعتمد على التجفيف كي يتم حفظه، وتستمر صلاحيته ستة أشهر، قد يكون ذلك سبباً في رد تسميته إلى الجاشع.
الحماية والتحصن
ومنطقة النصلة كانت تقع على حافة وادي كبيــر متســع، وهنــاك عوامــل عدة تجعل من المنطقة، سابقاً، من المناطق التي يمكن أن تتعرض لأي أحداث من دون أن تجد النجدة سريعاً، نظراً لبعدها عن المناطق الأخرى.
خاصة أن كل المناطق القريبة منها تشابهها من حيث الظروف، وهي كلهـا تتبــع لإمارة رأس الخيمة في منطقة المنيعي، ولهذا كان للكهوف دور كبير في عمليات الحماية والتحصن ضد أي طارئ، حيث يخبرنا حمد بن خميس الدهماني أن من أهم الكهوف بالنسبة لهم كهف الجاشع الذي كان من ضمن استخداماته العديدة أن يتحصن فيه بعض الأهالي عندما يخشون على أنفسهم من أن تجرفهم السيول التي تنزل بشكل قوي وسريع من أعالي الجبال.
ونتيجة لهطول الأمطار التي كانت في بعض الأحايين تغرق وتجرف كل ما في طريقها، موضحاً أن الأهالي يعرفون من خلال خبرتهم أن المكان متماسك خالٍ من أي تصدعات أو تشققات، قد تعرضهم للإصابات نتيجة أي انهيارات صخرية.
أعلى الجبل
وقال: كان الأهالي يعرفون الأوقات التي يمكن أن تكون فيها السيول جارفة، وأن بعض البيوت ستكون معرضة للخطر، لذلك تصعد الأسر إلى أعلى الجبل من أجل أن يبقوا هناك، حتى يصبحوا على يقين أنهم يستطيعون العودة، وربما يستمر أمر بقائهم أكثر من يوم، ويحملون معهم قبل الدخول للكهف التمر والقهوة لتكون معيناً لهم، كما أن الكهف عميق بما يسمح بإشعال الحطب قرب مقدمة المدخل، كما أنه مكان آمن لتلك الأسماك الصغيرة، لتجفيفها في جو آمن وغير رطب، فتبقى صلاحيتها لمدة طويلة، لأنهم عندما يذهبون لشراء الجاشع من الأسواق البعيدة، كانوا يضعون عليها كميات من الملح، كي يتمكنوا من حملها على الإبل أو الحمير والعودة بها.
ولفت إلى أن تلك الكمية من الملح على الجاشع أو أي صنف من الأسماك تحميه من الفساد في مختلف الأجواء خلال طريق العودة الذي يمتد حتى ثلاثة أيام أو ربما أكثر في القديم الغابر، وعندما يصل إلى المنطقة يوضع في الشمس أثناء عملية الترويح كي يجف تماماً، ولهذا فهو يوضح بالمواسم الممطرة في ذلك الكهف، إن توقع أهل المنطقة هطول الأمطار ونزول السيول وعبورها إلى الوادي. ويقول: منطقة النصلة ربما تكون منطقة بسيطة جداً حتى اليوم في كل شيء، لكنها غنية بأهلها وتراثهم، وهي تبعد مسافة ساعة ونصف الساعة عن إمارة دبي بسرعة لا تزيد على 140 كيلومتراً في الساعة، وتقع على قمة أحد جبال رأس الخيمة، وتعد موقعاً استراتيجياً، حيث كانت القوافل التجار أو المصطافين، ينتقلون من الإمارات إلى سلطنة عمان عن طريق النصلة، وقد وضعت نقطة حراسة تحدد الحدود قبل أكثر من مائتي عام، كانت علامتها لأهل الإمارات جذع نخلة تتوقف عندها القوافل، ويدفعون تعريفة مرور، وكل ذلك ألغي فيما بعد.
الأبراج القريبة
والكلام لحمد بن خميس الدهماني فقا إن هناك أيضاً بعض الأبراج القريبة من مساكن الأهالي، ولا يزال حتى اليوم يحبون الاجتماع بالقرب منها في مختلف الأوقات، خاصة أن الحصون والقلاع وأبراج الحراسة من أهم الأماكن التي تفخر بها الشعوب، مشيراً إلى أن المنطقة اشتهرت بخصوبة تربتها، وعدم جفاف المياه الحلوة التي تتخلف عن الأمطار، فتجري في ذلك الوادي الكبير، حين كانت تتوقف القوافل للشرب والوضوء، كما استغلت في ري الزراعات بالمنطقة.
وقال اختلفت الظروف نتيجة للتطور والتغيرات المناخية، ولذلك ربما تفقد المناطق الكثير من الصور التي كانت حاضرة في الزمن الماضي، لكن ما حفر في الصخور نتيجة العوامل الطبيعية، مثل الكهوف، يبقى حاضراً وباقياً، يعود إليه الأهالي مع أحفادهم ليخبروهم عن قصص التلاحم في وقت الأزمات.
*** منقول ***
المفضلات