جريدة الإتحاد الإماراتية تنشر مقالاً بعنوان ( مسندم.. الكواكب بين عينيك )
لؤلؤة المنصوري تكتب : معرض فني ربّاني مسندم.. الكواكب بين عينيك
جريدة الإتحاد / الملحق الثقافي / تنشر مقالاً عن جمالية محافظة مسندم و قصة عن الزيارة
http://www.musandam.net/up//uploads/...361227c9e4.jpg
جريدة الإتحاد / الملحق الثقافي / تنشر مقالاً بعنوان ( مسندم.. الكواكب بين عينيك ) تاريخ النشر: الخميس 21 مايو 2015
مسندم نت نقلاً عن :
جريدة الإتحاد / الملحق الثقافي / تاريخ النشر: الخميس 21 مايو 2015
لولوة المنصوري
تحتاج إلى قلب شاعر، أو مجنون ذي حدس، أو روح موجة صغيرة شجاعة تغوص في محيط عميق، أو لعلك تحتاج إلى ثقة القفز، من صخرة صغيرة منسية في الهواء، لتعثر على وشم جذورك في الكواكب. الكواكب التي ستنزل إلى سماء البحر الشاهق والمترامي على الجهات الضائعة، والممتدة على تتابع طريق الماء اللانهائي، جذورك في الكواكب تنعكس على سطح البحر ليلاً، لا تخف تلك ليست رؤيا في الحلم، إنها حقيقتك السماوية تنزل كل ليلة دون أن يكون لك خبر عن ذلك، فقط على أناكَ التواضع مثل وردة في المساء تستمتع بنسمة الحب مع أشعة الكواكب، في الأعالي عليك التخلي عن قوة الصخور وأن تمتلك في المقابل قوة المياه، قوة الطبيعة المتواضعة، قوة رائحة الوردة في المساء.
سترى الكواكب على جبال مسندم، هذه هي الحقيقة، وعلى فكرك ألا يستعد لذلك، لن تترك ملاحظات خاصة كحالك في كل الأمكنة العظيمة، ولن تحاور وتناقش ذاتك، لن تفكّر، ولن يعمل مكر الوعي لديك، فقط كي لا تضلّ عن الطريق، ففي لحظة التفكير يضيع الإنسان الطريق، إن الحقيقة تنعكس عندما تكون في حالة اللا تفكير، وعندما لا يتموج شيء في داخلك، كذلك الكواكب، لن تقبل بأن تراها إن كنت تفكر فيها، انسحب من الوعي، انسحب من نفسك، ادخل في الفراغ والعدم، ادخل في نوم عميق وعيناك مفتوحتان على الأفق الأسود، ستنزل الكواكب على جبال مسندم، لا تستعجل فرصة الرؤيا كثيراً، لا تترك المكان سريعاً بعودتك إلى التفكير فيه، هذا هو السر الكوني لرؤية ما لا يرى بالعين المجردة (أن تكون مجنوناً).
إلى رؤوس الجبال
بصورة هندسية تشكيلية بالغة الدقة، أقرب إلى التكعيبية تترتب تماماً وتنتشر جبال (مسندم) شمال إمارة رأس الخيمة، التي لا تفصلها عنها سوى دقائق معدودة وبضع أوراق رسمية، حيث يصل ارتفاعك وأنت تمضي بحذر في الطريق الحلزوني إلى أكثر من ألفي متر عن سطح البحر، وصولاً إلى رأسها الذي يحتضن الممر المائي الدولي ذي الأهمية العالمية والمعروف باسم (مضيق هرمز).
حين تتوغل أكثر في عمق القرى الصغيرة التي تطوّق نفسها بمزارع النخيل والماشية والأفلاج وممرات الأودية، سيرفعك أثير رائحة خبز إحداهن في التنور إلى حب عتيق خاشع قصي في ذاكرتك، إنها رائحة أمك، تلك التي تسكن في كل سعفة من نخيل مسندم، ونامت في كل ذرة من هوائها المشبع بملح البحر وعرقه، تعطف على عزلتك تلك الرائحة، وترسل أحلامك إلى جهات قديمة شاسعة من البحر لم يتعرف عليها أي خاطر.
مسندم التي تنام في وداعة البحر وسلامه الأزرق الخافت فرصة السماء للاختفاء داخل النفس والغوص عميقاً في الصمت، فرصة للتأمل واستحداث الحوار الداخلي وتنظيف حقول الرأس من خوابي العالم وماديته الطاحنة، فسحة نمنح فيها أنفسنا أحقية طرح الأسئلة الفطرية المتحررة بعيداً عن سموم التعصب والمعارك الفكرية النفسية التي تجيّشها توجهات القوى البشرية المتصارعة منذ ميلادها على النصر الزائف. لعل جبال مسندم الساحلية تحفظ الكثير من الوقائع الدامية، لكنها سرعان ما أخلَت عن رأسها كل تلك الذكريات الموجعة في البحر، واغتسلت سريعاً، ثم انحنت لتعاود لملمة رمال الشاطئ وأحجارها المتشظية، وتعيد تزاوجها مع البحر في بث علاقة انتماء وعشق يبخبخ له الغمام بأمطار الفصول الأربعة.
طبيعة أهل جبال مسندم، الشموخ والكبرياء والبساطة، فهي نمط حياة وبقاء وعزة، تجدهم يتشبثون بذاكرتهم في الحجر، يرفضون ترك منازلهم الصخرية المعرّضة دائماً للسيول الجارفة والعواصف، لا يعبأون بكل دواعي النهضة الإسمنتية والأوامر المنبهة بترك المواقع لمد شبكات من مصانع الطابوق وكسارات الجبال. هكذا هو طبعهم في عناد التمسك بالحجر وحالهم المكابر مع من ينادي بالتعمير، يظنونه مهدداً لعروقهم وجذورهم الجبلية، فما بالنا بشدة بأسهم في رفضهم الخنوع عند مواجهة أولئك الشقر الحمر من الغزاة الذين قدموا في القرون الوسطى من الأرض البعيدة واستباحوا شرف الجبال؟! هناك موسيقى في الحجر على المرتفعات البكر لمسندم تكمن جاذبية أليفة لعظامك كلما توغلت في حجب الجبال أكثر، قمم وممرات جبلية لم تعبث بها يد البشري بعد، باستثناء تلك الكهوف البدائية التي على الأغلب حُفرت في الصخور الخارجة من قبضة الزمن، أو قد يعود انتماؤها بالتخمين والمخيلة البسيطة إلى العصور الحجرية حين انحسر الماء عن الكثير من الصخور المتجمعة السابحة من بقاع مجهولة. الجبل المنحوت بذاته والسلاسل المتعرجة الوعرة على طول الشريط الساحلي المحيط للبحر تقدّم لنا خلاصة متنوعة للألوان الرملية، إنه نحت إلهي في غاية الإبداع والدقة والتنسيق والتوزيع بعدالة ما بين الخطوط والفواصل وطبقات الألوان المتدرجة، القوالب الصخرية والكتل المتعملقة على هيئة تماثيل في أحشاء الجبل مصدر إغراء فني لنحات حالم يسكنه الجموح، إن جبال مسندم في حالة دعوة للفن، رسالة واضحة تبعثها الطبيعة تحت الشمس كل يوم إلى كل مخيلة تحمل فكرة إنسانية من شأنها أن تحول الجبال على مضيق هرمز حيث مدخل الخليج العربي إلى معرض فني عالمي زاخر بالمنحوتات الجبلية العملاقة.
(هناك موسيقى في الحجر)
قال ديكارت، فاندفعت أرواح الفن تكشط جبال العالم لتخرج تلك الموسيقى الأزلية للبشر، فمتى يلتفت إلى مسندم ذلك الفنان الذي يخرج أخيراً من معبد رسمه، وتغني يداه في الجبال، لينحت أجنحة محلقة بموسيقى الخليج وأمواجه الغافية على القلق.
ثمة ناسك في الحجر
نداؤك لا يصل أيها المجنون المسجون في جسد المدينة، انطلق يمامة ً لقداسة الجبال، للمدى الذهبي أمام الشمس، عسى أن تركض في روحك الطليقة نحو الحيرة والسؤال، أحزانك عصية على الفهم ولا تعرف ميعاد خروجك من الحجر، ليست لك عظام، تحطمت كلها في البحر، تصعد على هشاشة الحلم، تدرك وأنت على رأس الهَرَم بأن الرياح تسحبك من جديد إلى الله. قبل حادثة الاعتداء على الإنسان القديم في ذلك الميراث العالمي الآشوري كنت تؤمن بأن بمقدور البشر أن يخلدوا، نعم بإمكانهم أن يحققوا خلودهم بالكتابة والنحت والزراعة والمحاصيل بكل أنواعها.. الفن يكفل لهم الخلود، لذا اخترت الكتابة باعتبارها نقطة البدء، مركز الوصول والتواصل، وهي الشيء الوحيد الذي سيبقى بعد أن يختفي كل شيء.
لكن بعد فاجعة تحطيم الثور الأشوري ارتبك إيمانك بخلود الأشياء!
لا شيء لك يخلد..
تتساءل من يحمي الإرث الخالد للإنسان على هذه الأرض؟
رغم ذلك تصمت، وتهرب في داخلك لتكون قريباً منك.
على قمم مسندم تحن أصابعك للكتابة، لأن الله في داخلك يحرضك على الكتابة، يحرضك على نسج أسطورة خاصة بك وحدك، ولن تتخذ إلى ذلك سبيلاً إلا بالعزلة، فهي نشاطك الإنساني وحقك في القلق والصمت والتنفس.
في الصمت تتذكر دائماً أنك ما زلت تتنفس بطريقة سليمة، وأن ذرات أنفاسك ستحملها الريح الطيبة لتحرك ذرة ما، مجهولة في الكون، ستعيد النظام إلى حركة تلك الذرة بتنفسك الطيّب، ذلك هو الأثر الذي تريد أن تتركه لهذا العالم، فروحك تؤمن بأن قدر البشرية محكوم بحسن الظن والإيمان برحمة الخالق.
.................................................. ....
المعلومات التاريخية والجغرافية الواردة في المقال من الفيلم الوثائقي «مسندم.. إطلالة على مضيق هرمز» حدّ فاصل إن البقاع الأولى التي تشرق منها الشمس في الوطن العربي هي مسندم أو (رؤوس الجبال) - على حسب تسمية أهل شناص وضواحيها في سلطنة عمان - حيث يتمركز الحد الفاصل ما بين الخليج العربي وخليج عمان.
موقع مسندم
